السؤال
ما موقف أهل السنة والجماعة من الجهمية والمعتزلة والفرق الأخرى؟ وهل هم كفار خارجون عن الإسلام، أم هم مبتدعة؟ وحبذا أن تنقلوا أقوال الأئمة في ذلك مشكورين.
وجزاكم الله خيرا.
ما موقف أهل السنة والجماعة من الجهمية والمعتزلة والفرق الأخرى؟ وهل هم كفار خارجون عن الإسلام، أم هم مبتدعة؟ وحبذا أن تنقلوا أقوال الأئمة في ذلك مشكورين.
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فالبدع منها المكفر ومنها غير المكفر، ويعرف ضابط ذلك مما قاله الشيخ حافظ حكمي في معارج القبول: البدع بحسب إخلالها بالدين قسمان: مكفرة لمنتحلها. وغير مكفرة، فضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمرا مجمعا عليه متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة من جحود مفروض أو فرض ما لم يفرض أو إحلال محرم أو تحريم حلال أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه من نفي أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله صلى الله عليهم وسلم كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، وإنكار أن يكون الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وغير ذلك، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله عز وجل وأفعاله وقضائه وقدره، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه، وغير ذلك من الأهواء، ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه فهذا مقطوع بكفره بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له. وآخرون مغرورون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم وإلزامهم بها.
والقسم الثاني البدع التي ليست بمكفرة: وهي ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيء مما أرسل الله به رسله كبدع المروانية التي أنكرها عليهم فضلاء الصحابة ولم يقروهم عليها ولم يكفروهم بشيء منها ولم ينزعوا يدا من بيعتهم لأجلها كتأخيرهم بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها، وتقديمهم الخطبة قبل صلاة العيد، وجلوسهم في نفس الخطبة في الجمعة وغيرها وسبهم كبار الصحابة على المنابر ونحو ذلك مما لم يكن منهم على اعتقاد شرعيته، بل بنوع تأويل وشهوات نفسانية وأغراض دنيوية. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير الجهمية المحضة الذين ينكرون الصفات، وحقيقة قولهم إن الله لا يتكلم ولا يرى ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة، بل القرآن مخلوق وأهل الجنة لا يرونه كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره، وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال، وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين:
أحدهما: أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقا، فإن الله منذ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف: مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر ومنافق مستخف بالكفر، وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة، وأول من ابتدع الرفض كان منافقا، وكذلك التجهم، فإن أصله زندقة ونفاق، ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم، ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقا، أو عاصيا، وقد يكون مخطئا متأولا مغفورا له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين.
والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفرا: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وهذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع، فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه ولما أنزل الله على رسوله. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أقوال العلماء في تكفير المعتزلة في الفتوى: 25436.
وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتاوى التالية: 105033، 43864، 117397.
ولا يخفى على السائل الكريم أنه لا يمكننا تفصيل القول في جواب سؤاله بالقدر الذي يليق بأهمية الموضوع وحساسيته، خاصة مع تنوع البدع الاعتقادية، وتعدد مسميات أهلها قديما وحديثا، ولذلك نحيله للوقوف على تفصيل ذلك على كتاب: حقيقة البدعة وأحكامها ـ للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، فقد تناول في الباب الثالث حكم المبتدع وأحواله، وحكم البدعة ذاتها من حيث كونها مكفرة، أو مفسقة، وأقسام العمل بالبدعة من حيث كونه كفرا، أو فسقا.
والله أعلم.