السؤال
لقد طلقت زوجتي ثلاثا، وعندي منها أربعة أولاد، والطلقة الأولى حدثت عندما خالفت ما أمرتها به واستفزتني كثيرا، وطلبت مني الطلاق فطلقتها، علما بأنني أتناول أدوية مهدئة للاكتئاب، وفي الطلقة الثانية طلقتها بناء على نصيحة المفتي العام في بلدتنا، فقد قام بإقناع زوجتي بطلب الطلاق لغاية في نفسه، لأنني بعد أن طلقتها الثانية طلب منها الزواج، ولكنها رفضت كما أنها أوهمتني بأن حياتها في خطر، وأنها مهددة بالقتل إذا لم أطلقها، وخوفا مني على حياتها طلقتها مكرها، وفي الثالثة طلبت مني الطلاق مقابل إعطائي مبلغا من المال وكنت في ضائقة مالية حيث إن علي قضايا في المحكمة، وفعلا أعطتني ذهبا فطلقتها، علما بأنها كانت حائضا عندما طلقتها الثالثة. والآن تريد أن تعود إلي، وأنا أريد ذلك أيضا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فلا بد من التنبيه أولا على أن الزوجة لا يجوز لها طلب الطلاق بدون عذر شرعي، لثبوت الوعيد الشديد في ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
والأسباب المبيحة للطلاق سبق بيانها في الفتوى رقم: 116133.
ثم تفصيل الحكم فيما ذكرته من طلقات هو كما يلي:
1ـ الطلقة الأولي نافذة وتناولك علاج الاكتئاب لا يمنع وقوعها إن كنت مدركا لما تقول، وهذا هو الظاهر من السؤال.
2ـ الطلقة الثانية قلت إنك أوقعتها لإنقاذ زوجتك من القتل، فإذا صح هذا وكان قد غلب على ظنك أنها ستقتل إذا لم تطلقها، فإن هذا يعتبر إكراها عند بعض أهل العلم كالحنابلة وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية خلافا لمذهب الجمهور، وقد ذكرنا رجحان مذهب الحنابلة وذلك في الفتوى رقم: 31292.
3- الطلقة الثالثة إذا كانت مقابل عوض ـ كما ذكرت ـ فهي خلع وتعتبر طلقة بائنة عند الجمهور وهو القول الراجح والمفتي به عندنا، خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية القائل بكون الخلع فسخا وليس بطلاق، وبالتالي فلا يحسب من الطلقات الثلاث ولو كان الزوج قد تلفظ بالطلاق ونواه، وراجع كما سبق في الفتوى رقم: 140343.
مع التنبيه على أن الخلع جائز أثناء الحيض وليس بدعة، جاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين: واعلم أن الخلع ليس له بدعة، بمعنى أنه يجوز حتى في حال الحيض، لأنه ليس بطلاق، والله إنما أمر بالطلاق للعدة: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن {الطلاق: 1} ـ ولهذا يجوز أن يخالعها ولو كانت حائضا، ويجوز أن يخالعها ولو كان قد جامعها في الحال، لأنه ليس بطلاق، بل هو فداء، ولأن أصل منع الزوج من التطليق في حال الحيض، أو في حال الطهر الذي جامعها فيه، أن فيه إضرارا بها، لتطويل العدة عليها، فإذا رضيت بذلك فقد أسقطت حقها. انتهى.
ثم إن الطلاق لا يقع إلا إذا كانت الزوجة في عصمة زوجها وقت التلفظ به لكونها أثناء العدة من طلاق سابق أو كان زوجها قد راجعها أثناء عدتها، فإن وقع الطلاق بعد انقضاء عدتها من غير ارتجاع فلا يلحقها طلاق لكونه لم يصادف محلا، وبناء على ما ذكرناه من التفصيل، فإن كانت الطلقات الثلاث التي ذكرتها قد حصلت مع كون زوجتك في عصمتك فقد حرمت عليك ولا تحل إلا بعد أن تنكح زوجا غيرك نكاحا صحيحا ـ نكاح رغبة لا نكاح تحليل ـ ثم يطلقها بعد الدخول، وإن كان الطلاق الواقع أقل من ثلاث فلك مراجعتها، لكن لا بد من تجديد العقد طالما أن آخر الطلقات كانت خلعا، إذ الخلع طلاق بائن، وننصحك بمراجعة محكمة شرعية، أو مشافهة بعض أهل العلم الثقاة لحكاية تفاصيل ما صدر منك، وأخيرا ننبه على أنه لا يجوز السعي في التفريق بين الرجل وبين زوجته لثبوت الوعيد الشديد في ذلك، فقد قال صلي الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبدا على سيده. رواه الترمذي وغيره وصححه الشيخ الألباني.
وجاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين: وليس من الدين الإفساد بين الناس، ومن أعظم الأشياء محاولة التفريق بين الرجل وأهله الذي هو طريق السحرة: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه {البقرة: 102}. انتهى.
وبناء على ذلك، فالتصرف الذي قام به من وصفته بالمفتي العام ـ إن كان قد حصل ـ يعتبر فعلا قبيحا وخديعة ومعصية شنيعة، ولا يليق بأي مسلم فضلا عن أن يصدر ممن يتصدى لإرشاد الناس وإفتائهم في أمور دينهم.
والله أعلم.