تفسير قوله تعالى: ولن يتمنوه أبدا.

0 299

السؤال

ما تفسير قول الله: ولن يتمنوه أبدا؟ أنا أعرف أنهم الكفار، لكنني أرى أن بعض الكفار يتمنون الموت، فكيف يكون ذلك؟ أريد أن أستفسر لكي تذهب الشكوك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذه الآية ليست عامة في الكفار، وإنما جاءت خطابا لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم  لأنهم قالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، وبعدها تخلفوننا أنتم في النار ونكون نحن في الجنة، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم متحديا لهم ومباهلا بقوله تعالى: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين{ البقرة:94}.

فلم يتمنوا ذلك، وقال الله فيهم: ولن يتمنوه أبدا.

قال ابن القيم: قال الله تعالى: فتمنوا الموت إن كنتم صادقين {البقرة: 94} قلت: هذه الآية فيها للناس كلام معروف قالوا: إنها معجزة للنبي أعجز بها اليهود ودعاهم إلى تمني الموت وأخبر أنهم لا يتمنونه أبدا وهذا علم من أعلام نبوته، إذ لا يمكن الاطلاع على بواطنهم إلا بأخبار الغيب ولم ينطق الله ألسنتهم بتمنيه أبدا.
وقالت طائفة: لما ادعت اليهود أن لهم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته كذبهم الله في دعواهم وقال: إن كنتم صادقين فتمنوا الموت لتصلوا إلى الجنة دار النعيم ـ فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه ثم أخبر سبحانه أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه فقال: ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم {البقرة : 95}ـ وقالت طائفة منهم محمد بن إسحاق وغيره هذه من جنس آية المباهلة وأنهم لما عاندوا ودفعوا الهدى عيانا وكتموا الحق دعاهم إلى أمر يحكم بينهم وبينه وهو أن يدعوا بالموت على الكاذب المفتري والتمني سؤال ودعاء فتمنوا الموت وادعوا به على المبطل الكاذب المفتري، وعلى هذا فليس المراد تمنوه لأنفسكم خاصة كما قاله أصحاب القولين الأولين بل معناه ادعوا بالموت وتمنوه للمبطل وهذا أبلغ في إقامة الحجة وبرهان الصدق وأسلم من أن يعارضوا رسول الله بقولهم: فتمنوه أنتم أيضا إن كنتم محقين أنكم أهل الجنة لتقدموا على ثواب الله وكرامته كانوا أحرص شيء على معارضته فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله، وأيضا فإنا نشاهد كثيرا منهم يتمنى الموت لضره وبلائه وشدة حاله ويدعو به وهذا بخلاف تمنيه والدعاء به على الفرقة الكاذبة، فإن هذا لا يكون أبدا ولا وقع من أحد منهم في حياة النبي ألبتة وذلك لعلمهم بصحة نبوته وصدقه وكفرهم به حسدا وبغيا فلا يتمنوه أبدا لعلمهم أنهم هم الكاذبون، وهذا القول هو الذي نختاره والله أعلم بما أراد من كتابه. اهـ من مدارج السالكين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات