السؤال
من الذي حدد مهلة الأربعين يوما التي على الزوج أن لا يقترب من زوجته خلالها بعد الولادة إلا بعد الأربعين يوما؟ ولماذا أربعون يوما بالتحديد؟ وجزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة؟.
من الذي حدد مهلة الأربعين يوما التي على الزوج أن لا يقترب من زوجته خلالها بعد الولادة إلا بعد الأربعين يوما؟ ولماذا أربعون يوما بالتحديد؟ وجزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكرته من أن الزوج يمنع من جماع زوجته إذا نفست مدة أربعين يوما ليس على إطلاقه، فإن المرأة إذا رأت الطهر من النفاس جاز جماعها ولو كان ذلك بعد يوم أو يومين من ولادتها، فإن أقل مدة النفاس لا حد لها، فمتى رأت المرأة الطهر وجب عليها أن تغتسل وتصلي، ولها جميع أحكام الطاهرات حتى في الجماع، ورأى بعض العلماء أنه يكره جماعها قبل الأربعين ولا يحرم، وذلك لاحتمال عود الدم ولأثر مروي عن عثمان بن أبي العاص، والصواب عدم الكراهة وأن الجماع بعد طهر المرأة من نفاسها واغتسالها جائز لا حرج فيه، جاء في الروض مع حاشيته: ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد انقطاع الدم والتطهير أي الاغتسال، قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها، على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين، فقال: لا تقربيني، ولأنها لا تأمن عود الدم في زمن الوطء، وعنه: لا أكره وطأها، ذكره الزركشي وغيره، وقال جمهور أهل العلم: لا كراهة في وطئها، لأن لها حكم الطاهرات في كل شيء، وليس للكراهة دليل يعتمد عليه. انتهى.
وإذا علمت ما مر وأن الدم متى انقطع واغتسلت المرأة جاز وطؤها ولو قبل الأربعين، فاعلم أنه متى لم ينقطع الدم بل استمر نزوله فإن العلماء اختلفوا في المدة التي تغتسل المرأة بعد انقضائها والتي هي أكثر مدة النفاس فذهب كثير منهم إلى أن أكثر مدة النفاس أربعون يوما، فإذا مرت الأربعون والمرأة ترى الدم فإنها تغتسل وتصلي ولها جميع أحكام الطاهرات، ويعد هذا الدم الذي تراه بعد الأربعين استحاضة إلا أن يوافق زمن عادتها فيكون حيضا، قال ابن قاسم مبينا دليل هذا القول: حكاه أحمد عن عمر وغيره، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، لحديث أم سلمة: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما، رواه الترمذي وغيره، وأثنى عليه البخاري، ومعناه: كانت تؤمر أن تجلس إذ محال اتفاق عادة نساء عصر في نفاس أو حيض، وذهب جماعة من العلماء إلى أن أكثر مدة النفاس ستون يوما وهو قول الشافعية والمالكية وعليه فلو استمر الدم بالمرأة بعد الأربعين وجب على زوجها ترك وطئها حتى ينقطع الدم أو يكمل لها ستون يوما ثم يحكم بعدها بكونها مستحاضة، وبين النووي في شرح المهذب مأخذ هذا القول فقال ما عبارته: واحتج أصحابنا بأن الاعتماد في هذا الباب على الوجود وقد ثبت الوجود في الستين بما ذكره المصنف في الكتاب عن هؤلاء الأئمة فتعين المصير إليه كما قلنا في أقل الحيض والحمل وأكثرهما، قال أصحابنا ولأن غالبه أربعون فينبغي أن يكون أكثره زائدا كما في الحيض والحمل ونقل أصحابنا عن ربيعة شيخ مالك ـ وهو تابعي ـ قال أدركت الناس يقولون أكثر النفاس ستون، وأما الجواب عن حديث أم سلمة فمن أوجه أحدها أنه محمول على الغالب. انتهى.
وبه يتبين لك وجه المنع من وطء المرأة في نفاسها مدة أربعين يوما، وأنه عند القائل به محدد من قبل الشارع، وأن المسألة محل خلاف، والمفتى به عندنا هو أن أكثر النفاس أربعون يوما.
والله أعلم.