السؤال
قرأت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أن الله عز وجل يعجب من الشاب الذى ليس له شهوة، وسمعت بعد ذلك من أحد الشيوخ ـ لا أعلم هل هو تعليق من الشيخ أم حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن من يعجب الله منه ليس عليه حساب، فما صحة هذا؟ وأسأل كيف يعجب الله من شيء؟ أليس العجب معناه الاندهاش والمفاجأة بالفعل، لأنه غير متوقع؟ والله عز وجل يعلم كل شيء قبل أن يقع، فهو يعلم ما كان وما سيكون لو كان كيف كان يكون، وأيضا هناك مقولة اشتهرت تدل على الهمة ولكن في نفسي منها شيء وهى ليرى الله مني شيئا عجبا أو ليرين الله ما سأفعل في كذا، هل فيها شيء من عدم الاحترام والتعظيم مع الله عز وجل؟ فالله يعلم كل شيء قبل أن يقع، أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة. رواه الإمام أحمد وغيره وحسنه الأرناؤوط.
والمعنى أنه ليس له ميل إلى الهوى لحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر في حال الشباب الذي هو مظنة لضد ذلك، كذا قال المناوي في شرح الجامع: ووصف الله بالعجب ثبت في عدة نصوص فيجب الإيمان بها مع اعتقاد تنزيه الله عن الشبه بخلقه، ففي خبر آخر: عجب ربكم من إياسكم وقنوطكم ـ رواه أحمد وقد قرأ حمزة والكسائي: بل عجبت ( بضم التاء ) في قوله تعالى: بل عجبت ويسخرون ـ الصافات كما في التيسير فى القراءات السبع. ص: 121.
وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل. أخرجه الإمام أحمد.
وروى أبو هريرة: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، فقال: من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا، يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة. رواه مسلم.
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين: العجب من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف، قال الله تعالى: بل عجبت ويسخرون ـ على قراءة ضم التاء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة ـ رواه أحمد، وأجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو عجب حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالمجازاة ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة، والعجب نوعان:
أحدهما: أن يكون صادرا عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه، وهذا النوع مستحيل على الله، لأن الله لا يخفى عليه شيء.
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره، أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب، وهذا هو الثابت لله تعالى. اهـ.
وأما قول القائل: من يعجب الله منه ليس عليه حساب ـ فلم نطلع على نص مرفوع في هذا، ولا كلام لأهل العلم فيه.
وأما كلمة: ليرين الله ما سأفعل فى كذا ـ فلا حرج فيها، فقد قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه: غاب عمي أنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع! فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ـ إلى آخرها. متفق عليه.
فقد قال النووي: ضبطوه بوجهين أحدهما ليرين بفتح الياء والراء أي يراه الله واقعا بارزا، والثاني ليرين بضم الياء وكسر الراء ومعناه ليرين الله الناس ما أصنعه ويبرزه الله تعالى لهم. اهـ.
والله أعلم.