الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالمواظبة على الصلاة والتلاوة، واحرص على الخشوع في الصلاة وأدائها في الجماعة، وثق أن الصلاة المستوفية الشروط والأركان ستأتي بثمرتها المرجوة منها على وجه كامل، لأن الصلاة التي تنفع صاحبها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر {العنكبوت: 45}.
قال الشيخ ابن عثيمين: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ـ الفحشاء: فواحش الذنوب كالزنا واللواط وما أشبهها، والمنكر: ما دون ذلك الصلاة تنهى عن الفحشاء المنكر، لكن متى؟ إذا كانت صلاة مقامة على الوجه الأكمل، ولهذا نجدنا كثيرا نصلي ولا نجد القلوب تتغير أو تكره الفحشاء أو المنكر، أو يكون الإنسان بعد الصلاة خيرا منه قبلها لا نجد هذا، لأن الصلاة التي نصليها ليست الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وإلا فكلام الله حق ووعده صدق، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا كنت قد هممت بذنب أو كان قلبك يميل إلى المعاصي، فإنك إذا صليت انمحى ذلك كله لكن بشرط أن تكون الصلاة التي تراد منك والتي تريدها أنت لله عز وجل صلاة أكمل ما يكون، ولهذا يجب علينا ونسأل الله أن يعيننا يجب علينا أن نعتني بصلاتنا نكملها بقدر المستطاع بجميع أركانها وشروطها وواجباتها ومكملاتها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال بعض السلف: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا ـ نسأل الله العافية، لأنها ليست الصلاة المطلوبة منا، الصلاة المطلوبة منا أن تكون صلاة بمعنى الكلمة كان بعض السلف إذا دخل في صلاته لا يحس بشيء يغيب عن كل شيء إلا عن الله عز وجل حتى إن عروة بن الزبير ـ رحمه الله ـ وهو من فقهاء التابعين أصابت أحد أعضائه أكلة جروح تتقرح حتى تقضي على الجسم كله فقرر الأطباء أن تقطع رجله حتى لا تسري الأكلة إلى بقية البدن وكان في ذلك الوقت لا يوجد ـ بنج ـ فقال أمهلوني حتى أدخل في صلاتي فلما دخل في صلاته قطعوا رجله فلم يحس بها، لأن قلبه منشغل مع الله والقلب إذا انشغل لا يحس بما يصيب البدن انظر إلى الحمالين مثلا يحملون السيارة أو يفرغونها فيصاب أحدهم بجرح في يده أو قدمه مع التحميل ولا يحس به لأنه مشغول، فإذا انتهى من العمل أحس بالجرح، فالإنسان في صلاته لا بد أن يكون مع الله عز وجل لا يذهب قلبه يمينا وشمالا كما هي العادة عند كثير منا ولا تتسلط الهواجس ولا الوساوس إلا إذا دخل الإنسان في الصلاة جاء الشيطان يقول له اذكر كذا. اهـ.
وأما قول ابن مسعود ـ رضي الله عنه: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا ـ فقد رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح.
ومعناه كما قال المناوى: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر أي لم يفهم في أثناء صلاته أمورا تلك الأمور تنهى عنهما: لم يزدد من الله إلا بعدا ـ لأن صلاته وبال عليه وهذه الآفة غالبة على غالب الناس. اهـ.
يعني أن من لم يتدبر ويتفهم الأوامر والنواهي التي يقرأ بها في صلاته وينته بسببها عن الفواحش لم يستفد من صلاته، وأما من يتدبر تلك النصوص القرآنية فستنهاه صلاته كما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن فلانا يصلي الليل كله، فإذا أصبح سرق، فقال: سينهاه ما تقول ـ أو قال ـ ستمنعه صلاته. رواه أحمد والبزار والطحاوي والبغوي بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة، كما قال الألباني في مشكاة المصابيح.
واعلم أن العلاج لترك هذه العادة الخبيثة سهل ـ إن شاء الله ـ إذا استعنت بالله وتضرعت إليه أن يصرفها عنك فأكثر الدعاء أوقات الإجابة، وأكثر من الدعاء بما هو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوء أو أجره إلى مسلم. رواه الترمذي.
وبالدعاء المأثور: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم.
وبالدعاء المأثور: اللهم طهر قلبي، وحصن فرجي. رواه أحمد.
وبالدعاء المأثور: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي. روه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
وأكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب والرقائق، واصحب الأخيار من الأصدقاء وابذل ما تستطيع من الوسائل في تخفيف الشهوة، فاترك الأطعمة المثيرة للشهوة، واعمر وقتك وطاقتك بما يشغلك عنه من الأعمال المثمرة كالتعلم والتعليم والتكسب، وداوم على الطهارة كلما حصل ما يوجبها، واحرص على غض البصر وبادر بالزواج بامرأة صالحة طائعة، واعتقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في فوائد الزواج والترغيب فيه: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحص للفرج.
وأكثر من صوم النوافل وواظب على الذكر في كل أحيانك كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. كما في صحيح مسلم.
فالذكر يطرد الشيطان وبالإعراض عنه يوسوس الشيطان للعبد.
وأما التوبة: فهي مقبولة ممن تاب صادقا حتى ولو عاد مرة أخرى ثم تاب يغفر الله له، فالله تعالى يقبل التوبة ويحب التوابين، وإذا استزلك الشيطان فضعفت بعد توبتك وأذنبت مرة أخري، فجدد لذنبك توبة، ففي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفرلي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر فقال: أي رب أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء، قال ذلك في الثالثة أو الرابعة أي ما دام يذنب ثم يستغفر.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم تذنبوا لذهب لله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم.
وقال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان.
والله أعلم.