السؤال
أنا شاب أشتغل في شركة، وجاءني عرض شغل في شركة أخرى، فوقعت في حيرة؛ هل أبقى في شغلي أو أذهب إلى تلك الشركة؟ مع العلم أنني في هذه الفترة كنت مقدما لطلب زيادة راتب لشركتي، صليت صلاة الاستخارة حيث كنت أصليها كل يوم قبل أن أنام إلى أن جاءتني الزيادة على الراتب، وكانت مفاجئة لي حيث إنها كانت قليلة جدا جدا، مع العلم أنه قد تم زيادتي في السنة الماضية بشكل ممتاز، وأنا الآن دائما أشعر بالخوف ولا أحس بالأمان ومحتار في اختياري، أشعر بخوف رهيب حتى صرت أتضايق من ذهابي لعملي، مع العلم أنني موظف مجتهد ـ والحمد لله ـ أريد حلا للحالة التي أنا فيها، لا أريد أن أشعر بالخوف، وأريد أن أقرر. مع العلم أن الراتب المعروض علي من الشركة التي جاءني عرض منها أكثر من راتبي في الشركة الحالية، صليت الاستخارة ولم يأتني دليل بأن أختار بين الشركتين. ساعدوني بالحل. أريد أن أحس بالأمان.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن التضايق في العمل فليس عندنا ما يجزم به في سببه، ولكنا ننصحك بالمواظبة على أذكار الدخول والخروج والتعوذات المسائية والصباحية، وما دمت قد استخرت الله، فقد فعلت ما شرعه الله لك وندبك إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا استجاب الله لك فثق أنه لن يحصل لك إلا الخير، ويمكن أن تكرر الاستخارة وتستشير بعض أهلك ومعارفك فيما تختار من الأمرين، وأما علامة قبول الاستخارة فهي الانصراف عن الأمر المستخار الله فيه أو تيسره، فاحرص على التقدم لما وقع عليه اختيارك، فإن يسره الله أو صرفك عنه فالخير ـ إن شاء الله ـ فيما حصل وسييسر الله لك الخير لنص الحديث: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسالك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، ـ أو قال: عاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي ويسـره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. رواه البخاري.
قال ابن حجر في فتح الباري: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة، فقال ابن عبد السلام: يفعل ما اتفق، ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود في آخره ـ ثم يعزم ـ وأول الحديث: إذا أراد أحدكم أمرا فليقل.
وقال النووي في الأذكار: يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره، ويستدل له بحديث أنس عند ابن السني: إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه ـ وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن سنده واه جدا، والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد: ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الموسوعة الفقهية: وأما علامات عدم القبول فهو: أن يصرف الإنسان عن الشيء لنص الحديث ولم يخالف في هذا أحد من العلماء، وعلامات الصرف: ألا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه معلقا به، وهذا هو الذي نص عليه الحديث: فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به. اهـ.
وأما عن الخوف فإن أعظم ما يذهب الخوف والقلق ويجلب الطمأنينة والسكينة ذكر الله تعالى والاعتماد عليه والثقة به والتوكل عليه والجزم الكامل بأن الأمور كلها بيد الله، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب {الرعد 28ـ 29}.
ومن ذلك الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الصباح والمساء، ومنها ما جاء في المسند وغيره عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. صححه الأرنؤوط.
والله أعلم.