السؤال
أسأل عن جواز تسجيل الوالد لأحد أبنائه بعض أملاكه إن رأى فيه صلاحا بين إخوانه، خصوصا إن كان تحته إخوة أصغر منه، مع خشية الوالد عليهم وحسن ظنه بابنه الكبير أنه سيتقوى بهذه الهبة أو العطية لتساعده في تدبير شؤؤنه وشؤؤن إخوته الصغار، مع العلم أن هذا الوالد مزواج ومطلاق، وله عدة أبناء من أولئك الزوجات، مع عدم ارتياحه وطمأنينته لبعض أولاده ظنا منه أنهم لا يبرونه ولا يستحقون أن يرثوه، لأن فيهم سفها في الدين وعقوقا حسب كلامه، ويقول إنه سأل بعض أصحاب الدين وقالو له ما في معنى الآية: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح عندنا أن العدل بين الأولاد في العطايا والهبات واجب، إلا أن تكون لبعض الأولاد حاجة خاصة تقتضي تفضيله بقدر حاجته، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 6242.
وعليه، فلا يجوز لهذا الوالد أن يفضل بعض أولاده على بعض بسبب اختلافهم في البر، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: المجموعة الأولى -16 / 225 ـ السؤال الخامس من الفتوى رقم: 20321ـ س5: لي ولدان: أحدهما بار بي وبوالدته والآخر عاق لي ولوالدته، وأريد أن أهب جميع ما أملكه من عقار وأطيان لابني البار، مع حرماني لأخيه العاق، فما حكم الدين في ذلك؟ ج5: لا يجوز للوالدين التفضيل في العطية بين أولادهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ـ ولأن ذلك يسبب الحسد والحقد والبغضاء والشحناء والقطيعة بين الأخوة، وكل ذلك يتنافى مع مقاصد الشريعة المطهرة التي جاءت بالحث على التآلف والترابط والتواد، والتعاطف بين الأقارب والأرحام، والواجب على الوالدين استصلاح أولادهما العاقين بطرق لا تشتمل على مفاسد في العاجل والآجل في حياة الأسرة، مع كثرة الدعاء لهم بالاستقامة والصلاح، والله المستعان. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: هل يفضل بينهم باعتبار البر؟ يعني إذا كان أحدهما أبر من الآخر، فقال: سأعطي البار أكثر مما أعطي العاق تشجيعا للبار وحثا للعاق، فهذا لا يجوز، لأن البر ثوابه أعظم من دراهم تعطيه إياها، فالبر ثوابه عند الله ـ عز وجل ـ ولا تدري فلعل البار اليوم يكون عاقا بالغد، والعاق اليوم يكون بارا بالغد، فلا يجوز أن تفضله من أجل بره. اهـ
أما إذا أعطى بعض ولده لحاجته ومنع بعضهم لفسقه وكونه يستعين به على المعاصي فلا حرج في ذلك، قال ابن قدامة: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك، لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه. اهـ
والله أعلم.