السؤال
في إحدى المرات صليت المغرب وعند رفعي من الركوع قلت سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد وأنا أقول ربنا ولك الحمد تسرعت وسجدت وقلتها أثناء سجودي ـ أي وأنا نازل للسجود قلت ربنا ولك الحمد ـ فهل صلاتي صحيحة؟ أم تجب الإعادة؟ وقد جاهدت نفسي كثيرا كي لا أقوم بكتابة هذا السؤال، لأنني أعاني من الوسواس وقد شققت عليكم بكثرة أسئلتي، وهل يصح لي ذلك كوني أدرجت لكم فتوى فأحلتوني إلى موضوع الوسواس القهري؟ وهل يصح لي أن لا أبحث عن فتوى لأي أمر حدث لي، لأنني كلما أقرأ فتوى تزيد الوساوس لدي؟ وأيضا قرأت فتوى بأن تكبيرات الانتقال سنة وأنا أعاني من الوسواس فإذا وسوس لي الشيطان وقال لي إنك نطقت التكبيرة خطأ أحاججه بأنها سنة وأمضي في صلاتي، لكنني علمت مؤخرا أنها واجبة عند الحنابلة وأنا حنبلي، فهل يصح لي الأخذ بفتاوى الشافعية أو الحنفية أو المالكية وأنا حنبلي أي آخذ ما لا يشق علي؟ وما حكم صلواتي الماضية علما بأنني حريص على تطبيق سنة الانتقال عندما كنت أعتقد أنها سنة، لكني الآن علمت أنها واجبة؟ فماذا ترون جزاكم الله خيرا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن موضع الإتيان بربنا لك الحمد بالنسبة للمنفرد والإمام هو بعد الرفع من الركوع، أما المأموم فإنه يقوله في رفعه، قال في المغني: وموضع قول ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد الاعتدال من الركوع، لأنه في حال رفعه يشرع في حقه قول سمع الله لمن حمده، فأما المأموم ففي حال رفعه. انتهى.
وفي الروض المربع في الفقه الحنبلي بعد أن ذكر أن التسميع والتحميد من واجبات الصلاة: ومحل ما يؤتى به من ذلك للانتقال بين ابتداء وانتهاء، فلو شرع فيه قبله أو كمله بعده لم يجزئه، قال في الحاشية: قال المجد: هذا قياس المذهب، والقول الثاني: يجزئه لمشقة تكرره، ولأن التحرز منه يعسر، والسهو به يكثر، ومع البطلان به والسجود له مشقة، ومال إليه ابن رجب وغيره، وصححه في حواشي المقنع، وصوبه في تصحيح الفروع، واستظهره ابن تميم وغيره. انتهى.
ولابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فتوى تدل على أن إكمال التكبير ومثله التسميع في الركن المنتقل إليه لا شيء فيه، فقد سئل: إذا كان الإنسان يصلي وأراد السجود وما زال واقفا، هل يكبر ثم يسجد؟ أو يسجد ثم يكبر؟ أو يكبر وهو نازل للسجود؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير للانتقال في الصلاة من ركن إلى آخر، يكون فيما بين الركنين، فإذا أراد السجود فليكبر ما بين القيام والسجود، وإذا أراد القيام من السجود فليكبر ما بين السجود والقيام، هذا هو الأفضل، وإن قدر أنه ابتدأ التكبير قبل أن يهوي إلى السجود وكمله في حال الهبوط فلا بأس، وكذلك لو ابتدأ في حال الهبوط ولم يكمله إلا وهو ساجد فلا بأس. انتهى من مجموع الفتاوى له.
وحيث إن السائل هنا أتى بالذكر المذكور أثناء هويه للسجود فقد خالف الصواب، لكن ذلك لا يؤثرعلى صحة صلاته ويسعه تقليد من يقول بصحة الصلاة مع تأخير الذكر الواجب عن محله من فقهاء الحنابلة وغيرهم، ولا سجود فيه عند بعض فقهاء الحنابلة كما مر.
أما عن موضوع البحث في الفتاوى عند الحاجة لمسألة ما، فالأصل أن المسلم مطالب بالتعلم والسؤال عما أشكل عليه من أمور دينه وإذا لم يكن يستوعب ما يكتب في الفتاوى والكتب أو لم يحسن فهمه، فليسأل أهل العلم مباشرة أو عن طريق وسائل الاتصال الكثيرة، ثم إن على السائل أن يعرض عن تلك الوساوس التي يجدها عند الإتيان بالتكبير سواء كان حنبليا أم على مذهب آخر، فإن الاستجابة لها والاسترسال معها يزيدها تمكنا وكثرة حتى لا يستطيع الإتيان بعبادة من غير أن يشك أو يوسوس، ولينظر علاج الوسوسة في الفتوى رقم: 106891.
ولا يطالب بقضاء الصلوات التي تكثر عليه الشكوك فيها في النطق بتكبير الانتقال أو الإتيان به، لأن الظاهر أن ذلك كله وسوسة وعلاجه الإعراض عنه وعدم الاسترسال معه كما تقدم، ولأنه شك في ترك واجب، والمعتمد في المذهب الحنبلي أنه لا يوجب سجود السهو, ولا حرج على السائل في الأخذ بقول غير الحنابلة في حكم تكبيرات الانتقال فقد نص العلماء على أنه يباح للمقلد أن يقلد من شاء من أقوال المجتهدين، ما لم يقصد بذلك تتبع الرخص، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 149469.
والله أعلم.