السؤال
واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا [النساء : 15]
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما [النساء : 16]
1. لماذا الآية المتعلقة بالنساء بصيغة الجمع، بينما آية الذكور بصيغة المثنى؟
2. قرأت في أحد التفاسير أن الآية الأولى تتكلم عن السحاق والثانية عن اللواط. فما مدى صحة ذلك؟ وهل هذا من المنسوخ على اعتبار أن حكم اللواط هو القتل؟
وجزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جمع في الآية الأولى لأن المراد بها مجموع النسوة اللاتي يعملن الفاحشة، وثنى في الآية الأخرى لأن المراد بها الزانية والزاني، وقيل اللوطيان، فقد صح عن ابن عباس أن المراد بالآية الأولى النساء الزانيات، وصح عن مجاهد أن المراد بالآية الثانية الزانيان، وروي عن بعض السلف أن المراد بها اللوطيان.
قال صاحب كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور: أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانت المرأة إذا زنت جلست في البيت حتى تموت، وفي قوله (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) قال: كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعزير، وضرب بالنعال فأنزل الله عز وجل بعد هذا: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) النور: 2. فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما. وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (واللذان يأتيانها منكم) الزانيان. اهـ
وهذا الحكم منسوخ، وقال ابن كثير: إن النسخ متفق عليه، ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. رواه مسلم و أبو داود والترمذي.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: وأما الحبس فمنسوخ بإجماع. اهـ.
وقال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: في قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [النور:2].
قال: وهذه الآية ناسخه لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال: واللاتي يأتين الفاحشة" يعني الزنا "من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا. فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم، وكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة وهو أمر متفق عليه - قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه، فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم فلما سري عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة. وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح..... وقوله تعالى "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" أي واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما. قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما : أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال، وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم، وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا. وقال السدي : نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا ، وقال مجاهد : نزلت في الرجلين إذا فعلا لا يكنى ( أي يصرح ولا يستعمل الكناية ) - وكأنه يريد اللواط -...اهـ.
وقد ذكر أبو حيان في تفسير البحر المحيط قولا ضعيفا بحمل اللاتي يأتين الفاحشة على المساحقات، وحمل الآية الثانية على اللوطيين وأن الحكم غير منسوخ فقال : قال مجاهد واختاره أبو مسلم بن بحر الأصبهاني : هذه الآية نزلت في النساء . والمراد بالفاحشة هنا : المساحقة، جعل حدهن الحبس إلى أن يمتن أو يتزوجن . قال : ونزلت واللذان يأتيانها منكم في أهل اللواط . والتي في النور : في الزانية والزاني. وخالف جمهور المفسرين . وبناه أبو مسلم على أصل له : وهو يرى أنه ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ . اهـ
والله أعلم.