ما لا عين رأت ولا أذن سمعت

0 573

السؤال

أريد تفسيرا للآية: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. و قرأت أن سيدنا محمدا صلى الله عليه و سلم رأى الجنة في ليلة الإسراء و المعراج أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن النص المذكور ليس بآية من القرآن الكريم، ولكنه جزء من حديث قدسي رواه البخاري ومسلم ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي بعض رواياته: ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل.

والحديث جاء لبيان ما أعد الله تعالى لعباده المؤمنين من النعيم المقيم الأبدي في دار كرامته، وأنه لم تر عين قط مثله، ولم تسمع أذن بوصفه، ولم يخطر على القلب تصوره، وأنه لا يعلم عظمته إلا الله تعالى.
ويفسر ذلك قول أبي هريرة في بعض رواياته: واقرؤوا إن شئتم: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون.

قال الحافظ في الفتح: زاد ابن مسعود في حديثه: ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل. أخرجه ابن أبي حاتم... ووقع في حديث آخر أن سبب هذا الحديث أن موسى عليه السلام سأل ربه من أعظم أهل الجنة منزلة فقال: غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر... ومصداق ذلك في كتاب الله: فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين..

قال الخطابي: كأنه يقول: دع ما أطلعتم عليه فإنه سهل في جنب ما ادخر لهم.

وقال المناوي في فيض القدير: واستشكل بأن جبريل رآها -الجنة- في عدة أخبار، وأجيب بأنه تعالى خلق ذلك فيها بعد رؤيتها، أو بأن المراد عين البشر وآذانهم، وبأن ذلك يتجدد لهم في الجنة كل وقت.. وقيل: المراد هنا التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحق في الآخرة على خواصه.

وقال القرطبي في التفسير:  قلت: وهذه الكرامة إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلا؛ كما جاء مبينا في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سأل موسى -عليه السلام- ربه فقال: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة قال: هو رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله معه ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب، فيقال هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت رب، قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر. قال: ومصداقه من كتاب الله قوله تعالى : { فلا تعلم نفس مآ أخفي لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون }.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: فإن مدركات العقول منتهية إلى ما تدركه الأبصار من المرئيات من الجمال والزينة، وما تدركه الأسماع من محاسن الأقوال ومحامدها ومحاسن النغمات، وإلى ما تبلغ إليه المتخيلات من هيئات يركبها الخيال من مجموع ما يعهده من المرئيات والمسموعات مثل الأنهار من عسل أو خمر أو لبن، ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ ، ومثل الأشجار من زبرجد ، والأزهار من ياقوت ، وتراب من مسك وعنبر ، فكل ذلك قليل في جانب ما أعد لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولا تبلغه صفات الواصفين لأن منتهى الصفة محصور فيما تنتهي إليه دلالات اللغات مما يخطر على قلوب البشر، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ولا خطر على قلب بشر وهذا كقولهم في تعظيم شيء : هذا لا يعلمه إلا الله.

ولو تأمل العقل فيما جاء في وصف الجنة ونعيمها.. لحار في ذلك ولما استطاع تصوره، فما بالك بما لم يذكر مما ادخره الله تعالى لعباده الصالحين، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء. رواه البيهقي وصححه الألباني.

وعلى كل حال فلا يشكل عليك رؤية نبينا -صلى الله عليه وسلم- للجنة الثابتة؛ لأنها لا يلزم منها اطلاعه -صلى الله عليه وسلم- على كل ما فيها، أو ما ادخر الله تعالى لعباده الصالحين من النعيم المقيم الأبدي المتجدد..

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة