السؤال
عندما أصلي تأتيني أفكار وأحاديث لم أتذكرها لفترة طويلة وأحاول التركيز في الصلاة، لكن تأتيني وساوس أخرى أنني نقضت الوضوء أو لم أكمل وضوئي، أما حين أقرأ القرآن فيأتي التشتيت بصورة كبيرة وأحاول أن أجاهد نفسي وأترك كل ما يجول بخاطري لدرجة أنه تأتيني أفكار وأشياء قديمة أو قد أجد نفسي متعبة حين أتذكرها ولا تأتيني هذه الحالة إلا في قراءة القرآن وكأن هذه الأشياء تحاول صرفي والله عن قراءة القرآن، رغم أنني والحمد لله ملتزمة ولا أزكي نفسي، فهل هذا من كمال الإيمان؟ أم ماذا؟ أم هو من الشيطان؟ وكيف يحصل هذا للإنسان الملتزم؟ أرجو إجابتكم، علما بأن ما يحصل لي لا يأتي إلا في الصلاة وقراءة القرآن أما في غير ذلك فطبيعي جدا ولا تأتي هذه الأشياء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الوساوس علامة ـ إن شاء الله ـ على صحة الإيمان ووجوده في القلب، فإن الشيطان إنما يحاول أن يتسلط بالوسوسة على القلوب العامرة بالإيمان، وأما القلوب الخالية من الإيمان فهي كالبيوت الخربة لا يطمع اللص في أن يحصل منها شيئا، قال في تحفة الأحوذي: وروي عن علي ـ رضي الله عنه ـ الصلاة التي ليس لها وسوسة إنما هي صلاة اليهود والنصارى، ومن الأمثال: لا يدخل اللص في بيت إلا فيه متاع نفيس. انتهى.
وقيل لابن عباس ـ رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب؟ ذكره ابن القيم في الوابل الصيب.
وبهذا تعلمين سر إتيان هذا الوساوس للملتزم بدين الله، وتعلمين أيضا أنها من الشيطان يريد أن يصد بها المؤمن عن إيمانه ويحول بينه وبين عباداته، وليس معنى هذا أن يستسلم العبد للوساوس، بل عليه أن يجاهدها ويسعى في التخلص منها ويجاهد نفسه في قهر الشهوة والهوى ويحضر قلبه عند الصلاة والذكر ما استطاع ليفوت على الشيطان غرضه من الحيلولة بينه وبين عبادته وليكمل حظه من الثواب والتلذذ بالطاعة والأنس بها، فإذا مضى العبد في هذه المجاهدة رجي له من صلاح القلب ما يجعل قلبه محلا لسكنى المثل الأعلى فلا يجسر الشيطان على أن يلقي فيه وساوسه، لأنه حينئذ يكون محفوظا بحفظ الله تعالى له، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ مبينا سبيل التخلص من هذه الوساوس والأفكار وشارحا أنواع القلوب وأيها يمكن للشيطان أن يوسوس له: فصل: وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟ والقلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه، لأنه قد اتخذ بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن، القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال، وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هو تارة وتارة، القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء، والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفة. انتهى.
فامضي في مجاهدة نفسك وإحضار قلبك عند الصلاة والتلاوة والذكر مستعينة في ذلك بالله تعالى متعوذة من الشيطان وكيده، ولن يخيب سعيك مع المجاهدة والصدق، وأما الوسوسة في الطهارة ونحوها فأعرضي عنها ولا تلتفتي إليها فمهما قال لك الشيطان إنك لم تتوضئي أو أوقع في قلبك أنك تركت شيئا من أقوال الصلاة أو أفعالها وكان ذلك مجرد شك فأعرضي عنه ولا تلتفتي إليه، وانظري الفتوى رقم: 134196.
والله أعلم.