السؤال
هل يجوز الإيمان والتصديق بأن فلانا حظه سيئ، أو أن كل شيء يريده لا يتحقق، أو كلما أراد الشيء بشدة لا يحصل عليه؟ وكيف يتخلص من هذا الشعور الذي يسبب له الكثير من الضيق؟
هل يجوز الإيمان والتصديق بأن فلانا حظه سيئ، أو أن كل شيء يريده لا يتحقق، أو كلما أراد الشيء بشدة لا يحصل عليه؟ وكيف يتخلص من هذا الشعور الذي يسبب له الكثير من الضيق؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز مثل هذا الاعتقاد لما فيه من تسخط الأقدار وسوء الظن بالله تعالى والتشاؤم والتطير، بل على العبد أن يتخلص من هذا الشعور ويجتهد في دفعه، ويعينه على ذلك أن يعلم أن الله تعالى هو الغني الحميد، وأنه لا يعجزه أن يسوق إليه شيئا يطلبه، وهو تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها ويوقعها في مواقعها، فحين يمنع عبده عطاء فلعلمه أن هذا هو المصلحة وما تقتضيه الحكمة، والعبد قاصر العقل ضعيف الرأي فقد يظن خيرا ما هو محض الشر، وقد يظن شرا ما هو محض الخير والحكمة والرحمة والمصلحة، قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة216:}.
فعلى العبد أن يفوض أمره لله تعالى، وأن يثق بتدبيره له، وأن يعلم أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وأن الله تعالى أرحم بعبده من الأم بولدها، وهو سبحانه أعلم بمصالح العبد، وليترك العبد الاعتراض على القدر والتسخط على قضاء الله تعالى، فإن هذا من سوء الظن بالله تعالى.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد، فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا على القدر وملامة له واقتراحا عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك، فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة، وإلا فإني لا إخالك ناجيا فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك، كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلها حسنى. اهـ
فليعض العاقل على هذا الكلام النفيس بالنواجذ، وليعامل ربه تعالى بما هو أهله، وليعامل نفسه بما تستحقه، ولينظر من أين أتي؟.
والله أعلم.