السؤال
هل يجوز ما يفعله البعض من الكذب والظلم وربطه بالقدر والنصيب؟! خاصة في أمور الارتباط والزواج، كثيرا ما نجد أحد الطرفين يقرر فجأة إلغاء الخطبة أو الزواج مبررا ذلك بالنصيب، ويكون الدافع الحقيقى الخوف من المسؤولية أو ضعف الشخصية، وغالبا ما يكون هذا القرار بيد الرجل أو الشاب باعتباره الطرف المبادر وصاحب الحرية الأكبر؟ أحيانا يكون الشاب عقد بالفعل على البنت وبقي على موعد الزواج أيام وتمت دعوة المعازيم وتمت كافة الاستعدادات ثم يأتي ويقول لها "مافيش نصيب" !!هل يجوز أن نقبل الظلم لنؤمن بالقدر والنصيب؟! هل هناك قواعد أو ضوابط تحفظ حقوق البنت من تلاعب المستهترين من الخطاب بها، خصوصا وأن مجتمعاتنا لا تكف عن وضع العوائق على البنت السابق خطبتها أو العقد عليها وتشكك في سمعتها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن في البداية أن ننبه على أن الطلاق شرع في الأصل لعلاج المشاكل الزوجية المستعصية التي تسوء معها العشرة، وحكمه يختلف باختلاف الأحوال، وقد فصل ذلك أهل العلم، ومنهم ابن قدامة فقال في (المغني): أجمع الناس على جواز الطلاق، والعبرة دالة على جوازه، فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح، لتزول المفسدة الحاصلة منه ... والطلاق على خمسة أضرب: ـ واجب: وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة، وطلاق الحكمين في الشقاق، إذا رأيا ذلك. ـ ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي: فيه روايتان؛ إحداهما: أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراما، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار والثانية: أنه مباح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق وفي لفظ: ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق رواه أبو داود. وإنما يكون مبغضا من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا، ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروها. والثالث: مباح، وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها .... اهـ.
وأما الخطبة فقد نص أهل العلم على أن للرجل أن يفسخ خطبته للمرأة ولو بلا سبب مع الكراهة، فإن كان هناك سبب فلا كراهة، وراجع في ذلك الفتويين: 130328، 103272.
والطلاق إذا لم يكن حراما فلا حرج في ربطه بالقضاء والقدر، وأما إذا كان حراما فهو كجملة المعاصي: لا يصح الاحتجاج عليها بالقدر، وراجع في تفصيل ذلك الفتويين: 13217، 114474. وكذلك الفتويين: 155711، 146713وما أحيل عليه فيهما.
وأما قول الأخ السائل: (هل يجوز أن نقبل الظلم لنؤمن بالقدر والنصيب؟! ) فإن كان مراده أننا يجب أن نؤمن أن ما يقع علينا من المظالم إنما يكون بقضاء الله وقدره، فهذا صواب، ولا يتعارض ذلك مع كون العبد مسؤولا عن تصرفاته الخاطئة وأفعاله السيئة، وبصفة عامة فلا يصيب العبد أمر نافع في دين أو دنيا إلا وهو من فضل الله تعالى، وأما النقص والعيب والخلل فمن كسب العبد، وإن كان الجميع بقضاء الله وقدره، كما قال تعالى: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا (78) ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا (79) [النساء: 78-79] وراجع في ذلك الفتوى رقم: 130562.
وأما القواعد أو الضوابط التي يمكن بها حفظ حقوق البنت من تلاعب الخطاب المستهترين، فأهمها أن لا يركن أولياء المرأة إلا لذي الدين والخلق، وهو الذي يجمع بين تقوى الله والإحسان إلى الناس، فهذا هو الموفق الذي يعيش في معية الله تعالى، كما قال تعالى: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون [النحل: 128]. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
والله أعلم.