درجة حديث: "رب بهيمة خير من راكبها وأكثر لله منه ذكرًا"

0 286

السؤال

قرأت في كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: "وفي المسند مرفوعا: رب بهيمة خير من راكبها، وأكثر لله منه ذكرا‘‘، وقد عزاه الأخ المحقق إلى مسند أحمد فعلا، فقال: ’’مسند أحمد 3/439، 440، 441‘‘، والغريب أنني لم أعثر على هذا الحديث في المسند، أو في غيره، فما مدى صحة هذا الحديث معنى، ومبنى؟ جزاكم الله خيرا على ما قدمتم للإسلام، وللمسلمين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسند معاذ بن أنس الجهني، بلفظ: اركبوها سالمة، وانزلوا عنها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم، ومجالسكم، فلرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكرا لله منه. وكذلك رواه الطبراني في معجمه الكبير، وإليهما عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سهل بن معاذ بن أنس، وثقه ابن حبان، وفيه ضعف. اهـ. وقال في موضع آخر: رواه أحمد، وإسناده حسن. اهـ. وزاد السيوطي عزوه لأبي يعلى، والحاكم، وقد صححه الألباني دون محل الشاهد منه، وراجع تفصيل ذلك في السلسلة الصحيحة: (21).

وأما معنى الحديث: فقال المناوي في (فيض القدير): فيه أن الدواب منها ما هو صالح، ومنها ما هو طالح، وأنها تذكر الله تعالى، {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، وأن بعضها أفضل من بعض الآدميين، ولا ينافيه: {ولقد كرمنا بني آدم}؛ لأنه في الجنس. والفقير المعذب في الدنيا إذا ختم له بالكفر، أخس من الدابة، فإنه أشقى الأشقياء، كما في الخبر. اهـ.

وقال الصنعاني في (التنوير): (فرب مركوبة) صفة لدابة (خير من راكبها، وأكثر ذكرا لله منه) سيقت لتعليل النهي.

ورب للتقليل، كما هو الأصل فيها، أي: قليل من الدواب خير من راكبها، وإذا كانت خيرا منه، فلا يتخذها كرسيا لحديثه، ولغوه، فإنه قبيح عند العقلاء إهانة من هو خير من مهينه، ولأنه خلاف ما خلقت له، وإذا كان فيها من هو خير من راكبه، اجتنبت الأحاديث عليها كلها احتياطا، وإن جاز أن راكبها خير منها.

ويحتمل أن رب للتكثير، أي: كثير من المركوبات خير من راكبها، ويناسب هذا قوله تعالى: {أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض} إلى قوله: {وكثير من الناس} [الحج:18]، فإنه تعالى أخبر بسجود جميع الدواب له، ولم يخبر إلا عن سجود كثير من الناس له، فدل على أن المنقاد من الناس بعضهم له، ومن الدواب جميعهم.

والأخيرية من حيث أنها أكثر لله ذكرا، كما أفاده الحديث. وفيه دلالة على أن الدواب تذكر الله، كما يذكره العباد، والناس فريقان في مثل هذا المعنى، الذي يفيده الحديث، والآيات، مثل: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء:44]، وهو كثير سنة، وكتابا: فالمتكلمون، والمفسرون منهم على تأويل ذلك، وحمله على خلاف ظاهره، وأئمة الحديث، وجماعة من المحققين على حمله على ظاهره، وعدم تأويله، والإيمان به، مع الإقرار بعدم معرفة كيفيته؛ لأنه تعالى لم يجعل لنا على الاطلاع عليه سبيلا، وقد قال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء:85]، وقال: {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء:44]، وهذا هو الحق. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات