الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء نود أن نذكر بعض الحقائق التي ينبغي أن يستحضرها المسلم وهو يريد أن يدافع عن دينه أمام أعدائه، ومن هذه الحقائق:
أولا: أن هؤلاء الأعداء بذلوا جهدهم في محاولة جعل الإسلام في قفص الاتهام ليقف المسلم موقف المدافع عن دينه، وهنا قد يصاب بعض المسلمين بشيء من الانهزامية، والإسلام هو الدين الحق الذي جاء لينقذ البشرية ويحقق لها سعادة الدارين، فينبغي لأهله أن يعتزوا به، قال تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. [آل عمران:139 ].
ثانيا: أن منهج الإسلام في عدله وسماحته بين وواضح من خلال نصوص الوحيين الكتاب والسنة ومن خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وقد شهد بذلك الأعداء قبل أن يشهد به الأصدقاء، وغاية ما عند من يشيع أمر الخوف من الإسلام تصرفات قد يقوم بها بعض الأفراد منسوبة إلى الإسلام وليست من الإسلام في شيء. وينبغي أن يحكم على الدين من خلال نهجه لا من خلال تصرفات بعض أفراده، وإلا لم يسلم دين أو مجموعة أو جماعة من التهم.
ثالثا: أن الكلام في هذا الموضوع حساس، ويتطلب أن يكون المتحدث فيه له إلمام كبير بعلوم الشرع بحيث يستطيع أن يواجه الشبهات التي قد تعرض له، وإلا انقلب الأمر عليه ففتن أو كان سببا في فتنة غيره، فهذا أمر ينبغي أن يكون محل اعتبار. وانظر الفتوى رقم 78928. وإذا كان لا بد من الحديث فنرى أن يكون التركيز على الكلام عن محاسن الدين الإسلامي، وبيان أنه الدين الحق، ويمكن الاستفادة من بعض الفتاوى الموجودة بموقعنا ونحيلك منها على الأرقام: 54711 - 20984. ونقول هنا إن مما لا شك فيه أن الإسلام دين الرحمة، ومظاهر الرحمة فيه أكثر من أن تحصر كيف لا وأول صفة وصف الله تعالى بها نفسه هي صفة الرحمة فقال جل وعلا: ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين الرحمـن الرحيم )[الفاتحة:1-3 ].
ونبي الإسلام هو نبي الرحمة، وأرسل بالرحمة، قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. [الأنبياء:107 ]. روى أبو يعلى في مسنده عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يسمي لنا نفسه أسماء فقال : أنا محمد و أحمد و المقفي والحاشر ونبي الرحمة ونبي الملحمة.
وهنالك صور متعددة للتسامح الإسلامي فغير المسلمين يعيشون في أمان في المجتمع الاسلامي، فالله عز وجل يأمر بالإحسان والعدل مع من يسالم المسلمين، قال تعالى:لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.[الممتحنة:8 ]. وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من الإساءة إليهم أو ظلمهم أو أذاهم، ففي سنن أبي داود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة.
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصف يهوديا ويرد إليه حقه، ففي مسند أحمد عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه فقال يا محمد إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها فقال: اعطه حقه قال والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها، قال: اعطه حقه. قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها... وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قال ثلاثا لم يراجع فخرج به بن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببرد فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ونزع البردة فقال اشتر مني هذه البردة فباعها منه بأربعة الدراهم...الحديث.
والإسلام دين رحمة حتى في جهاده وقتاله لأعدائه فكان ينهى عن قتل الضعفاء، ففي سنن البيهقي وصية أبي بكر رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان وهو يقود الجيش المتوجه إلى الشام حيث قال له: ولا امرأة ولا وليدا ولا تخربوا عمرانا ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع، ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغدر ولا تمثل ولا تجبن ولا تغلل.
وتتبع مثل هذه الأخلاق العظيمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه يطول، ولعلك إذا بحثت وجدت أمثالها من الأمثلة والوقائع.
وههنا أمر لابد من التعرض له وهو أمر الجهاد في الإسلام، وهو مما قد يعتبره بعض الناس عنفا فنقول إن ما يسميه البعض عنفا، قد يسميه آخرون قوة وحزما وردعا، والناس ليسوا على شاكلة واحدة، فمنهم من يقف عند حده ويلتزم العدل والإنصاف، ولا يحارب الحق ولا يعاديه، ومنهم من يبغي ويطغى، ويظلم ويتعدى، ويبغض الحق ويحاربه، ويصد عن سبيل الله. وليس من العقل ولا من الحكمة أن يعامل الجميع معاملة واحدة، ولذلك تجد في القرآن قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم { الأنفال: 61}.
كما تجد فيه قوله عز وجل: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون * ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين { التوبة: 12ـ 13}.
وتجد فيه كذلك قوله سبحانه: وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا {النساء: 75}.
وما أحسن قول المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف في موضع الندى.
فالعنف قد يحمد أحيانا، كما قد يذم اللين أحيانا، والحكمة أن يوضع الشيء في موضعه، والجهاد في الإسلام لم يشرع لتحصيل أغراض دنيوية، بل شرع ليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة الله هي العليا، مما يدرأ الفتنة، ويحاصر أبوابها ومنافذها.
والله أعلم.