الأدلة على الضروريات الخمس وترتيبها

1 807

السؤال

في مسألة المصلحة والمفسدة هناك خمسة أشياء: الدين، النفس، العقل، العرض، والمال ـ فما الدليل على كل منها وعلى هذا الترتيب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الخمسة المذكورة هي المعروفة عند العلماء بالضروريات الخمس، وهي التي أتت الشريعة ـ بل جميع الشرائع ـ برعايتها والمحافظة عليها، وقد علمت رعاية الشرع لهذه الضروريات من مجموع نصوص الشريعة، قال الشاطبي مبينا هذه الضروريات ووجه الاستدلال عليها: فقد اتفقت الأمة ـ بل سائر الملل ـ على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل ـ وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد، ولو استندت إلى شيء معين لوجب عادة تعيينه. انتهى.

وإنما يمثل لهذه الضروريات ورعاية الشرع لها بما شرعه الله تعالى من الأحكام، قال الشيخ الجديع: مثالها في حفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، أن شرع الجهاد وقتل المرتد لحفظ الدين، والقصاص لحفظ النفس، وحد السرقة لحفظ المال، وحد الزنا والقذف لحفظ العرض، وحد الشرب لحفظ العقل. انتهى.

وأما الترتيب بين هذه الضروريات: فبحث طويل الذيل جدا، وللعلماء فيه تفاصيل يطول استقصاؤها، لكن الأكثر على أنه يقدم حفظ الدين على ما عداه، ولا شك في أن حفظ أصل الدين مقدم على ما عداه كما أطال الشاطبي في تقريره في الموافقات: ثم حفظ النفس ثم العرض ثم المال ثم العقل، قال ابن أمير حاج: ويقدم حفظ الدين من الضروريات على ما عداه عند المعارضة لأنه المقصود الأعظم، قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون { الذاريات: 56} وغيره مقصود من أجله؛ ولأن ثمرته أكمل الثمرات وهي نيل السعادة الأبدية في جوار رب العالمين، ثم يقدم حفظ النفس على حفظ النسب والعقل والمال لتضمنه المصالح الدينية، لأنها إنما تحصل بالعبادات وحصولها موقوف على بقاء النفس، ثم يقدم حفظ النسب على الباقيين، لأنه لبقاء نفس الولد، إذ بتحريم الزنا لا يحصل اختلاط النسب فينسب إلى شخص واحد فيهتم بتربيته وحفظ نفسه وإلا أهمل فتفوت نفسه لعدم قدرته على حفظها، ثم يقدم حفظ العقل على حفظ المال لفوات النفس بفواته حتى أن الإنسان بفواته يلتحق بالحيوانات ويسقط عنه التكليف ومن ثمة وجب بتفويته ما وجب بتفويت النفس وهي الدية الكاملة، قلت ولا يعرى كون بعض هذه التوجيهات مفيدة لترتيب هذه المذكورات على هذا الوجه من التقديم والتأخير من تأمل ثم حفظ المال. انتهى.

وهذا لا يطرد، بل ليس للترتيب بين هذه الضرورات قاعدة ثابتة، فإن درجات الضروري متفاوتة كما يعرف بالنظر في أحكام الإكراه، وقد بين الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع هذا المعنى بيانا حسنا فقال ما عبارته: والضرورات الخمس متفاوتة فيما بينها في قوة الضرورة، فحفظ الدين يسترخص لأجله النفس والمال، وحفظ النفس مقدم على حفظ المال، فإنها تفتدى بالمال والمال يمكن استدراك ما يفوت منه بخلاف النفس، وحفظ العرض بالعفة من الزنا يفتدى بالمال، بل بالنفس، وحفظ العقل يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره من الضروريات بالعذر، ودرجات ذلك متفاوتة باعتبارات تدرك من أحكام الإكراه، وحال الضرورة والتحقيق أن ترتيب الضروريات ليس له قانون واضح يعول عليه، وهي كما أشرت تتفاوت باعتبارات، فلذا لا يندرج ترتيبها ضمن أصول المقاصد، وإنما الترتيب صحيح في ترتيب المصالح من حيث الجملة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة