تفسير قوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم...

0 378

السؤال

ما هو (الظن الراجح )؟ و هل يجوز الظن الراجح في الإيمان ؟ وهل قول الله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) هل المقصود بالظن في هذه الآية الظن الراجح ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالظن في اصطلاح الأصوليين هو ما احتمل أمرين هو في أحدهما أرجح من الآخر، فالاحتمال الراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما، وإذا استوى الاحتمالان سمي ذلك شكا كما هو مبين في موضعه من كتب الأصول.

ووصف الظن إذا بأنه راجح وصف مؤكد؛ وإلا فلفظ الظن بمجرده يدل على ترجيح أحد الاحتمالين.

واعلم أن الإيمان بالله تعالى لا يكون صحيحا إلا مع اليقين الجازم والقطع بما يجب القطع به من وجوده ووحدانيته تعالى ونحو ذلك، ولا يكفي الظن بالمعنى الاصطلاحي في قطعي من قطعيات العقيدة بل لا بد من اليقين الجازم كما قررنا.

وأما ما ورد عليك من الإشكال في قوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون {البقرة:46}. فيدفعه عنك أن تعلم أن الظن يطلق في اللغة مرادا به اليقين، فالمعنى اللغوي للظن أعم من المعنى الاصطلاحي.

وقد بين العلامة الشنقيطي رحمه الله هذا المعنى وذكر شواهد من القرآن وكلام العرب على إطلاق الظن مرادا به اليقين في تفسير قوله تعالى: ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها. {الكهف:53}. قال رحمه الله ما لفظه: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المجرمين يرون النار يوم القيامة، ويظنون أنهم مواقعوها، أي: مخالطوها وواقعون فيها. والظن في هذه الآية بمعنى اليقين ; لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع. وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم موقنون بالواقع ; كقوله عنهم: ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون. [السجدة: 12] ، وكقوله: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد {ق:22} ، وقوله تعالى: أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا {مريم:38}. ومن إطلاق الظن على اليقين [قوله] تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين* الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون [البقرة: 46] ، أي: يوقنون أنهم ملاقو ربهم، وقوله تعالى: قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين [البقرة:249 ] ، وقوله تعالى: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة - 20]. فالظن في هذه الآيات كلها بمعنى اليقين، والعرب تطلق الظن على اليقين وعلى الشك، ومن إطلاقه على اليقين في كلام العرب قول دريد بن الصمة:

 فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد

 وقول عميرة بن طارق: بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم ... وأجعل مني الظن غيبا مرجما.

انتهى.

وقال في الكلام على قوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم. قوله تعالى: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) ، المراد بالظن هنا: اليقين كما يدل عليه قوله تعالى: (وبالآخرة هم يوقنون) [البقرة: 4] ، وقوله: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) [المومنون: 60]. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات