شبهة حول صفتي السمع والبصر لله تعالى والرد عليها

0 458

السؤال

سؤال يسأله بعض المعطلة والمعتزلة شوش علي كثيرا، أرجو الرد عليه: وهو أننا نحن كبشر نعتمد على السمع والبصر لكي ندرك ما حولنا ونفهمه، فهل الله يحتاج السمع والبصر لكي يدرك ويعلم؟ يعني هل السمع يعتمد على العلم؟ أم هذا في حق المخلوق فقط؟ أفيدوني وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يسأل مثل هذا السؤال، ولا يطرح هذا الإشكال، إلا من شابت قلبه شبهة التشبيه، فهو يدفعها بنفي الصفة أو تأويلها ويتوسل إلى ذلك بمثل هذه الإشكالات، وبيان ذلك أن أهل السنة حينما أثبتوا صفة السمع والبصر لله تعالى كما أثبتها لنفسه في كتابه، لم يثبتوا لها كيفية معلومة، وإنما فوضوا العلم بكيفيتها إلى الله تعالى، ونفوا مع ذلك التشبيه والتمثيل، فجمعوا بين الحسنين: نفي المثال، وإثبات صفات الكمال، كما قال تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير {الشورى: 11}.

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. اهـ.

وقال ـ رحمه الله ـ في بيان تلبيس الجهمية: القسم الثالث من الصفات يحمل على ظاهره ويجري بلفظه الذي جاء به، من غير أن يقتضي له معرفة كيفية أو يشبه بمشبهات الجنس، ومن غير أن يتأول فيعدل به عن الظاهر إلى ما يحتمله التأويل من وجه المجاز والاتساع، وذلك كاليد والسمع والبصر والوجه ونحو ذلك، فإنها ليست بجوارح ولا أعضاء ولا أجزاء، ولكنها صفات الله عز وجل لا كيفية لها ولا تتأول فيقال: معنى اليد: النعمة والقوة، ومعنى السمع والبصر: العلم، ومعنى الوجه: الذات، على ما ذهب إليه نفاة الصفات. اهـ.

ونقل الذهبي في كتاب العرش عن الخطيب البغدادي قال: أما ما روي من الصفات في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيف والتشبيه عنها، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته فإنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا نقول: إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقوله: ولم يكن له كفوا أحد. اهـ.

وإذا نفينا المثلية والعلم بالكيفية، فلا يتأتى مثل هذا الإشكال الوارد في السؤال، فليس علم الله تعالى كعلمنا، وليس سمعه ولا بصره كأسماعنا وأبصارنا، حتى نتساءل عن افتقار علم الله تعالى لصفتي السمع والبصر، كحال البشر، فعلمه سبحانه صفة ذات لازمة له، وقد علم سبحانه ما يكون في هذا الكون قبل أن يكون، كما علم مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكتب ذلك عنده سبحانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.

فهل يصح بعد ذلك أن نتساءل عن علم الله تعالى وافتقاره للسمع والبصر، وقد علم الله كل شيء قبل أن يكون هناك ما يرى أو يسمع؟؟!!! فالله عز وجل يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد صدقت الأخت السائلة في نسبتها هذا السؤال للمعطلة والمعتزلة، فقد دندنوا حوله قديما، ومن أهم وأجل الكتب التي تناولت مثل هذه الشبه وتفنيدها بالمعقول والمأثور، كتابا الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي: الرد على الجهمية، والنقض على بشر المريسي، وهذان الكتابان هما اللذان قال عنهما الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: كتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدا، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما. اهـ.

ومما أورده ـ رحمه الله ـ من كلام المريسي: وادعى المريسي أيضا في قول الله تعالى: إن الله سميع بصير ـ والله بصير بالعباد ـ أنه يسمع الأصوات، ويعرف الألوان، بلا سمع ولا بصر، وأن قوله بصير بالعباد ـ يعني: عالم بهم، لا أنه يبصرهم ببصر، ولا ينظر إليهم بعين، فقد يقال لأعمى: ما أبصره، أي: ما أعلمه، وإن كان لا يبصر بعين. اهـ.

وكان من جملة ما رد به عليه قوله: ويلك! إنما نصفه بالأسماء لا بالتكيف ولا بالتشبيه، كما يقال: إنه ملك كريم عليم حكيم حليم رحيم لطيف مؤمن عزيز جبار متكبر، وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذه الأسماء، وإن كانت مخالفة لصفاتهم فالأسماء فيها متفقة، والتشبيه والكيفية مفترقة: كما يقال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، يعني في الشبه والطعم والذوق والمنظر واللون، فإذا كان كذلك فالله أبعد من الشبه وأبعد، وادعيت أيضا أنا إن قلنا: إن الله يسمع بسمع، ويبصر ببصر، فقد ادعينا أن بعضه عاجز وبعضه قوي، وبعضه تام، وبضعه ناقص، وبعضه مضطر، فإن قلتم: هو أيها المريسي لا يجوز هذا القياس في صفة كلب من الكلاب؟ فكيف في صفة رب العالمين؟ بل حرام على السائل أن يسأل عن مثل هذا، وحرام على المجيب أن يجيب فيه، والعجب من قائله، كيف لم يخسف الله به؟ غير أن الله حليم ذو أناة وحلم عمن قال: الله ثالث ثلاثة، وعمن قال: اتخذ الله ولدا، وعمن قال: أنا ربكم الأعلى، ومن قال: يد الله مغلولة ـ وكذلك حلم عن هذا المريسي، إذ لم يخسف به ولم يعجزه هربا، ويلك أيها المريسي! إنا لا ندعي فيه هذه الخرافات التي احتججت بها مما ليس لمثلها جواب ونجله أن نلفظ في صفاته بهذه الخرافات غير أنا سمعناه يقول: إنه سميع بصير، وإنني معكما أسمع وأرى ـ ففرق بين السمع والبصر، فأخذنا من الله ورددنا عليك جهلك وخرافاتك، أو لم تقل أيها المريسي: إنه لا يحل لأحد أن يتوهم في صفات الله بما يعرف معناه في نفسه، فكيف نسبت الله إلى العجز في سمعه وبصره على المعنى الذي تعرفه من نفسك؟ ثم قلت: فكما أنك بأحدهما مضطر إلى الآخر كذلك الله ـ فيما ادعيت علينا ـ مضطر إلى الآخر، فشبهت الله في مذهبك بالإنسان المجدع المنقوص، أو لم تسمع أيها المريسي قول الله تعالى: ليس كمثله شيء ـ وكما ليس كمثله شيء ليس كسمعه سمع، ولا كبصره بصر، ولا لهما عند الخلق قياس ولا مثال ولا شبيه، فكيف تقيسهما أنت بشبه ما تعرف من نفسك، وقد عبت على غيرك. اهـ.
ويحسن بالسائلة أن ترجع إلى هذا الكتاب، وما يتعلق منه بصفتي السمع والبصر تجده في الجزء الأول من ص: 300: 338.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة