السؤال
هل محمد صلى الله عليه وسلم سيد الملائكة وجبريل إلخ وأهل السماوات؟ وهل الشك في أمر كهذا أو أصل من أصول الدين أو العقيدة بسبب الجهل، عدم التيقن أو التأكد من المعلومة أو مصدرها يعتبر من الشرك أو الكفر المخرج من الملة والعياذ بالله؟ أو اعتقاد عكس ذلك ـ في كونه كذلك أو لا ـ بسبب الجهل يعد من الشرك أو الكفر المخرج من الملة؟ أم لا بسبب الجهل؟ وإن كان كفرا أو شركا والعياذ بالله، فهل على الإنسان الاغتسال والشهادتان؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليست مسألة تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على الملائكة من مسائل الأصول التي من خالف فيها كان كافرا، فإنه ليس فيها دليل قطعي يتعين المصير إليه، وإن كان الصواب الذي يدل عليه كلام السلف أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الخلق بمن فيهم الملائكة، وقد حكى شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أقوال الطوائف في مسألة المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، وحكى القول بتفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق عن السلف فقال ما عبارته: وقد ذكر جماعة من المنتسبين إلى السنة: أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة، وذهبت المعتزلة إلى تفضيل الملائكة على البشر وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم من يقف ولا يقطع فيهما بشيء، وحكي عن بعض متأخريهم أنه مال إلى قول المعتزلة وربما حكي ذلك عن بعض من يدعي السنة ويواليها، وذكر لي عن بعض من تكلم في أعمال القلوب أنه قال: أما الملائكة المدبرون للسموات والأرض وما بينهما والموكلون ببني آدم، فهؤلاء أفضل من هؤلاء الملائكة، وأما الكروبيون الذين يرتفعون عن ذلك فلا أحد أفضل منهم وربما خص بعضهم نبينا صلى الله عليه وسلم، واستثناؤه من عموم البشر إما تفضيلا على جميع أعيان الملائكة أو على المدبرين منهم أمر العالم، هذا ما بلغني من كلمات الآخرين في هذه المسألة، وكنت أحسب أن القول فيها محدث حتى رأيتها أثرية سلفية صحابية فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول فيها فقلنا حينئذ بما قاله السلف فروى أبو يعلى الموصلي في كتاب التفسير: المشهور له عن عبد الله بن سلام ـ وكان عالما بالكتاب الأول والكتاب الثاني ـ إذ كان كتابيا وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة ووصية معاذ عند موته وأنه أحد العلماء الأربعة الذين يبتغى العلم عندهم، قال: ما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم الحديث عنه ـ قلت: ولا جبرائيل ولا ميكائيل قال: يا ابن أخي أو تدري ما جبرائيل وميكائيل؟ إنما جبرائيل وميكائيل خلق مسخر مثل: الشمس والقمر، وما خلق الله تعالى خلقا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الله في التفسير وغيره عن معمر عن زيد بن أسلم أنه قال: قالت الملائكة: يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون فاجعل لنا الآخرة، فقال: وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان. انتهى.
فعلم به أن المسألة ليست من مواطن الإجماع فضلا عن أن تكون مما يكفر فيه المخالف، ومما يدل على ما ذكرناه من أن المسألة ـ نعني مسألة المفاضلة بين البشر والملائكة ـ من مواطن الاجتهاد ما ذكره ابن كثير في البداية حاكيا خلافا وقع فيها في مجلس عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وعبارته: وقد اختلف الناس في تفضيل الملائكة على البشر على أقوال: فأكثر ما توجد هذه المسألة في كتب المتكلمين، والخلاف فيها مع المعتزلة، ومن وافقهم، وأقدم كلام رأيته في هذه المسألة ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص: أنه حضر مجلسا لعمر بن عبد العزيز وعنده جماعة، فقال عمر: ما أحد أكرم على الله من كريم بني آدم، واستدل بقوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية { البينة: 7} ووافقه على ذلك أمية بن عمرو بن سعيد، فقال عراك بن مالك: ما أحد أكرم على الله من ملائكته هم خدمة داريه ورسله إلى أنبيائه، واستدل بقوله تعالى: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} { الأعراف: 20} فقال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: ما تقول أنت يا أبا حمزة؟ فقال: قد أكرم الله آدم فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، وجعل من ذريته الأنبياء والرسل، ومن يزوره الملائكة، فوافق عمر بن عبد العزيز في الحكم، واستدل بغير دليله. انتهى.
فعلم بذلك ما هو الراجح وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات قاطبة وأكرم الخلق على الله تعالى، وأن المخالفة في هذا لا تقتضي كفرا، وللمسألة تتمات ضافية تنظر في شرح الطحاوية ولوامع الأنوار البهية للسفاريني والحبائك للسيوطي.
والله أعلم.