السؤال
أنا طويلبة علم جديدة واعترضتني مسألة أشكلت علي وأحتاج جدا لمعرفة الصواب فيها، فأرجو أن لا تبخلوا علي بجواب مفصل يشفي غليلي خصوصا وأنني أحسبكم على خير ـ ولا أزكيكم على الله فهو أعلم بكم ـ والمسألة هي حول كون إقصاء الشرع وتحكيم القوانين الوضعية كفرا أكبر أم أصغر، وإن كان يشترط في فاعله الاستحلال حتى يكفر، وما هو الاستحلال؟ وهل هو الاعتقاد القلبي الذي لا يمكن معرفته إلا بالتصريح به قوليا؟ أم أنه أمر آخر؟ وبناء عليه، فما هو منهج تعاملنا مع حكام المسلمين هذه الأيام؟ وهل نحكم بكفرهم على وجه التعميم والتعيين؟ أم أنه يجب قيام الحجة على كل منهم قبل الحكم بكفره؟ وإن كان يجب قيامها فماهي؟ وكيف تقام؟ أرجو أن تفصلوا لي بالدليل الشرعي وأقوال سلفنا الصالح، فقد شغلتني المسألة وأخشى أن أقع في ما وقع فيه الخوارج أو أن أقع فيما وقعت فيه المرجئة فبينوا لي الصواب جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صرح جماعة من أكابر العلماء بأن تحكيم القانون الوضعي وجعله شرعا عاما ومنهاجا يسير عليه الناس كفر أكبر بمجرده ولا يفتقر إلى التصريح بالاستحلال، لأنه دال عليه، إذ يمتنع ضد هذا عقلا، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: فنقول: من لم يحكم بما أنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه. انتهى.
ولتراجع رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ في تحكيم القوانين وكلام الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ في اختصاره لابن كثير عند آية المائدة وكلام العلامة الأمين الشنقيطي في مواضع من الأضواء من أهمها كلامه على الآية العاشرة من سورة الشورى، وبسط النقول وإيرادها هنا يطول جدا، فإذا علمت هذا وأن هؤلاء الأكابر من العلماء يرون أن مجرد تحكيم القوانين الوضعية وجعلها شرعا عاما يتحاكم الناس إليه في الدماء والأعراض والأموال كفر أكبر ناقل عن الملة، فإن القاعدة المقررة عند أهل السنة أنه لا يتعرض للحكم على معين بالكفر إلا بعد تحقق استيفاء شروط التكفير وانتفاء موانعه، فالواحد المعين لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة وبخاصة في مثل هذه المسائل التي كثرت فيها التأويلات وعظم الجهل بها لبعد كثير من الناس عن تعلم الشريعة، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: إني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى. انتهى.
وكلام العلماء في هذا المعنى كثير جدا، وأما الحجة المطلوب إقامتها قبل الحكم بكفر المعين فهي أن يبلغه حكم الشرع في المسألة وتزال عنه الشبه والتأويلات التي قد تكون عرضت له.
والله أعلم.