هل كل ما ورد في القرآن يقتضي أن يكون معلوما من الدين بالضرورة

0 1105

السؤال

هل كل ما ذكر في القرآن يعتبر معلوما من الدين بالضرورة؟ وهل إذا قلت على شخص في شيء ما إنه يعذر فيه بالجهل ثم اتضح أنه لا يعذر فيه بالجهل وأنه شيء معلوم. هل يعتبر هذا شكا في كفر الكافر فأكون كافرا حيث إني قرأت في فتوى لكم أن الحجاب لم يعد من المعلوم من الدين بالضرورة هل يعني ذلك أن من استحل كشف الشعر قد يعذر بجهل وكيف ذلك والأمر مذكور في القرآن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالمعلوم من الدين بالضرورة هو ما استفاض علمه وانتشر في الناس حتى استوى فيه العالم والجاهل والخاص والعام، ولا شك في أن ذكر أمر ما في القرآن لا يقتضي كونه معلوما من الدين بالضرورة، فكثير من الناس لا يقرأ القرآن، وكثير منهم لا يفهم كثيرا من آياته، وقد تعرض الشبهة في الفهم والتأويل لبعض الآيات فيكون المتأول الجاهل بمعنى الآية معذورا بما عرض له من التأويل، وقد نص الفقهاء على أن من أنكر وجوب الصلاة -وناهيك بالعلم بها شهرة واستفاضة في الناس وقد ذكرت في عشرات المواضع في القرآن- لا يكفر بمجرد ذلك إن كان جاهلا بالوجوب وكان ممن يعذر بالجهل كمن نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بإسلام. قال النووي عليه الرحمة: إذا ترك الصلاة جاحدا لوجوبها، أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ويجب على الإمام قتله بالردة إلا أن يسلم، ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين وسواء كان هذا الجاحد رجلا أو امرأة هذا إذا كان قد نشأ بين المسلين، فأما من كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها فلا يكفر بمجرد الجحد، بل نعرفه وجوبها فإن جحد بعد ذلك كان مرتدا. انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله: تارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحدا لوجوبها، أو غير جاحد، فإن كان جاحدا لوجوبها نظر فيه، فإن كان جاهلا به، وهو ممن يجهل ذلك، كالحديث الإسلام، والناشئ ببادية، عرف وجوبها، وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره؛ لأنه معذور. وإن لم يكن ممن يجهل ذلك، كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يعذر، ولم يقبل منه ادعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمون يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، فلا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة وهذا يصير مرتدا عن الإسلام. انتهى.

فإذا كان هذا الشأن في الصلاة فما دونها من باب أولى، فلو وجد من يجهل وجوب ستر المرأة رأسها وكان مثله يجهل ذلك كان معذورا مع كون هذا الحكم مذكورا في القرآن لما عرفناك.

واعلم أن تكفير الشخص المعين من الأمور الخطيرة التي ينبغي ألا يتصدى لها إلا أهل العلم، والخطأ في الحكم على شخص بالكفر أو عدمه لا يعد شكا في كفر الكافر، لأن الشك في كفر الكافر إنما يكون كفرا إذا كان هذا الشخص مقطوعا بكفره كمن يشك في كفر فرعون وأبي لهب مثلا.

وننصحك ألا تشتغل بالحكم على الشخص المعين هل هو كافر أو لا وهل يعذر بالجهل أو لا يعذر، ولا تخض في هذه المسالك الوعرة إذا كانت بضاعتك من العلم مزجاة، ولا يكون ذلك شكا في كفر الكافر حاشا وكلا، بل هو رد للأمر إلى أهله الذين أمر الله بالرد إليهم، وهم العلماء، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة على أصحابه ألا ينازعوا الأمر أهله. فدخل في هذا منازعة أهل العلم فيما هو من شأنهم. قال تعالى: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم  {النساء:83}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة