الله أعلى وأجل من أن يتخذه العبد خصما

0 215

السؤال

أستفسر من فضيلتكم عن حكم من قال يارب أنت الخصم والحكم، لم يقلها كفرا أو اعتراضا، بل ليسترحم ربه في أمر حيره، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، يحكم في عباده بما أراد ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وأفعاله كلها جارية على وفق الحكمة والمصلحة، ففعله دائر بين الفضل والعدل، إن ربي على صراط مستقيم، وهو تعالى ما زال يلطف بعبده ويتابع عليه نعمه ويوالي عليه آلاءه التي تستوجب الشكر، وما يصيب العبد من مصيبة فهو المتسبب فيها بما يجنيه من المخالفة وتكسبه يده من المعصية وتعدي حدود الرب تعالى، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير {الشورى:30}. وقال تعالى: وما أصابك من سيئة فمن نفسك {النساء:79}.

فالخصومة إذا بين العبد ونفسه الأمارة بالسوء التي غرته بالله تعالى وحملته على مخالفته، وأما شأن الله فهو أعلى وأجل، والإنسان إنما خلق عبدا لا ضدا، والذي يتخذ الله تعالى خصما إنما هو الإنسان الخارج عن طاعة الله، كما قال تعالى: خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين {النحل:4}.

قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله: نبه على خلق جنس الإنسان من نطفة أي مهينة ضعيفة، فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله، وهو إنما خلق ليكون عبدا لا ضدا، كقوله تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا * ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا { الفرقان: 54ـ 55} وقوله: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم { يس: 77ـ 78ـ 79} وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بسر بن جحاش قال: بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفه، ثم قال: يقول الله تعالى: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق، وأنى أوان الصدقة. انتهى.

فتبين لك ما في إطلاق هذه العبارة من الجرأة وسوء الأدب، فليتب إلى الله تعالى من أطلق هذه العبارة، وليتضرع إليه سبحانه إن أراد استجلاب رحمته واستدفاع نقمته بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء، ومن أحسن ما يؤدي هذا المعنى الذي أراده هذا الشخص مع تمام الأدب مع الله والتعظيم له سبحانه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة