السؤال
قرأت كلاما لابن تيمية ـ رحمه الله ـ في اقتضاء الصراط المستقيم: ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع الذي كمل ظهوره في زمن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ما شرعه الله من مخالفة الكافرين ومفارقتهم في الشعار والهدي، وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع بذلك، ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل ـ أو يجب عليه ـ أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة ـ فهل يجوز لي اليوم أن أقصر لحيتي من أجل أن أدعو بعض الناس العوام الذين يعتقدون أن صاحب اللحية هو رجل متخصص في الدين فقط ولا يأخذون منه، وأنا أعرف أن وجودي بين هؤلاء بلحية خفيفة سيجعلني مألوفا لديهم أكثر ومنهم وفيهم كما يقولون ولست من كوكب آخرـ كما هم يعتقدون ـ وهذا من الدعوة إلى الدين كما ورد في الاقتضاء؟ وهل ينطبق أيضا على من يعيش في بلاد الكفر الأصلي أو بلاد الخوف التي يطارد فيها أصحاب اللحى؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواضح أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ متعلق بالمسلم الذي يقيم في بيئة خاصة بدليل أنه قد نص في كلامه على دار الكفر ودار الحرب، فهو يعنيهما على وجه الخصوص بهذا الكلام، ويلحق بهما ما قد يحصل من تضييق على المستقيمين في بعض البلاد الإسلامية، كما سبق وأن بينا بالفتوى رقم: 3198.
وأما في الظروف العادية فألامر مختلف قطعا، وهذا بين في قول شيخ الإسلام: وسبب ذلك: أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار... وفتح هذا الباب من غير مراعاة هذه الضوابط يفتح المجال واسعا لدخول الأهواء في دين الله تعالى، فتزول معالم الدين وشعائره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. رواه مسلم.
ومعناه أن الإسلام في بداية دعوته كان غريبا لقلة أهله، محاربا من أهل الشرك والفساد، وأصل الغريب البعيد من الوطن وكذلك يكون في آخر الزمان فسيعود غريبا لقلة من يقوم به ويعين عليه، وإن كان أهله كثيرا، فإن من تمسك به صار غريبا محاربا، فيصير المتمسك بالإسلام كالقابض على الجمر، وفي بعض روايات هذا الحديث: قيل من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. وهي في مسند أحمد.
وتخفيف اللحية والأخذ منها قد اختلف فيه الفقهاء، فمنهم من أجازه، ومنهم من كرهه، كما بينا بالفتويين رقم: 76203، ورقم: 14055.
فتخفيفها لغرض صحيح كمصلحة شرعية تقتضي ذلك محل نظر واجتهاد، وللمزيد راجع الفتوى رقم: 173715.
والله أعلم.