السؤال
أرجو أن تفيدوني في مسألة البدعة، لأن هناك أشياء تلتبس علي، وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا كثيرا: علمت عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي أنه بدعة قبل ذهابي إلى هذا الاحتفال، فما معنى بدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ وما الذي يترتب على المسلم الذي ذهب إلى هذا الاحتفال؟ وهل يعني أنه أشرك بالله؟ وهل باجتماعه في ذلك اليوم لم يأخذ أي حسنات من الله، علما أنه لا يوجد أي اختلاط بين الرجال والنساء وهناك مدح النبي وذكر صفاته أكثر، وأيضا من ذكر بعض آيات القرآن والأحاديث وأيضا من الدعاء المأثور وأقمنا بعض الصلوات المفروضة، ولكن الذي لم يعجبني أنه قبل الدعاء يتوسلون بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سمعته أكثر من مرة، وأيضا بجاه سورة الفاتحة ثم يقرؤونها، ولم أفهم لماذا يقومون بذلك، ولم أفهم معنى جاه، وهناك أيضا احتفالات أخرى عن المولد في هذا الشهر، ولكن لن أذهب مع صديقتي المسلمة مرة أخرى ونحن في بلد كافر، لأنني لم أستطع أن أقنعها في المرة الأولى وأردت معرفة لماذا يقولون بدعة وحضرت فعلا، فهل ما فعلته كله حرام؟ وهل هناك توبة؟ وشكرا جزيلا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان ضابط البدعة في الفتوى رقم: 631، وبيان حكم الاحتفال بالمولد مع جواب بعض الشبهات المتعلقة به، في الفتوى رقم: 151445.
كما سبق لنا بيان ما يسميه البعض البدعة الحسنة، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 132845، ورقم: 55499.
وراجعي في حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم الفتويين رقم: 119480، ورقم: 4413.
وفي حكم التوسل بالقرآن أو بسورة منه أو بجاهه، الفتوى رقم: 37867.
والجاه معناه: المنزلة والقدر، كما في لسان العرب.
والذي ذكرته الأخت السائلة عن حال الاحتفال الذي حضرته ليس فيه شرك، وإن كان فيه ابتداع، وفي كل الأحوال فالتوبة من ذلك متاحة ـ والحمد لله ـ وذلك بالندم والعزم على عدم العودة.
ويبقى السؤال عن وجود أي حسنات في مثل هذه الاحتفالات وجواب ذلك يتضح من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم حيث قال رحمه الله: الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع... وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرا، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان.. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد والاجتهاد الذين يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه... واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيرا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع، وشرا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلي به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:
أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنا وظاهرا، في خاصتك وخاصة من يطيعك، وأعرف المعروف وأنكر المنكر.
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان. اهـ.
والله أعلم.