الإلحاد.. معناه.. وحكم الملحد

0 2065

السؤال

أريد أن أسأل عن موضوع يحيرني كثيرا، وهو: هل يغفر الله للملحد إذا تاب؟ ولماذا لم يذكر القرآن حكم الملحد؟ قرأت عن وجود من يسمون بالدهريين في عصر الجاهلية، لكن القرآن لم يذكر بوضوح ما إذا كانوا ينكرون وجود الله أم لا؟ كما أنني قرأت في هذا المنتدى أن الملحد يختلف عن الدهري، فهل هذا يعني أن الدهريين كانوا يؤمنون بوجود الله وينكرون البعث فقط؟ وأكثر شيء يحيرني لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الشرك هو أعظم الذنوب، ولم يقل الإلحاد أو إنكار وجود الله؟ فهل هذا لأن في ذلك الوقت لم يكن يوجد ملحدون، وبهذا يمكننا أن نستنتج أن في هذا الوقت الإلحاد هو أعظم الذنوب، لكن وجدت أنه في العصر القديم كان يوجد أناس ملحدون وفلاسفة وذلك قبل الميلاد أي في القرن السادس قبل الميلاد، والله يعلم بوجود هؤلاء الملحدين قديما قبل الميلاد، لكن لم يذكر القرآن ذلك؟ فهل هذا يعني أن الإلحاد لا يغفره الله في الدنيا، لأن أعظم ذنب هو الشرك؟ مع أن الإلحاد أعظم من الشرك.
أرجوكم أجيبوني، فقد أصبت بوسواس شديد عن وجود الله، وفعلت أفعالا أشك في أنها كفر، مع كرهي الشديد للكفر، لكن تصدر مني الأفعال من دون وعي، فأستغفر، وأتشهد، وأصبح الآن يراودني وسواس أن الله لا يغفر للملحد في الدنيا أيضا، لأنه اعتبر أن الشرك هو أعظم الذنوب التي يغفرها في الدنيا، فهل الشيطان يعتبر مشركا أم كافرا؟ وهل يغفر الله للشياطين التائبين؟ وهل كفر الشيطان أعظم من الشرك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما الوساوس فأعرضي عنها ولا تلتفتي إليها، واعلمي أنها لا تضرك، فإن من رحمة الله بعباده أن تجاوز لهم عما حدثت به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا، وما دمت كارهة لهذه الوساوس نافرة منها، فإن كرهك لها علامة على صدق إيمانك، فعليك أن تجاهديها وتحاولي التخلص منها، وأنت على خير ما دمت تجاهدين نفسك في ترك هذه الوساوس، وانظري الفتوى: 147101.

وأما الإلحاد: فهو في اللغة يطلق على مطلق الميل، والملحد هو المائل عن الصواب، فكل مشرك أو كافر، فإنه ملحد لميله عن الحق الذي هو الإسلام، واختصاص اسم الإلحاد بمن ينكر وجود الله تعالى اصطلاح حادث، والملحد بهذا الاصطلاح أي المنكر لوجود الله هو من جملة الكفار المدعوين إلى الإسلام، فإن أسلم ورجع عن إلحاده وكفره قبل الله تعالى منه وغفر له، قال تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {الأنفال:38}. وهو داخل في قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء:116}. ولتنظر الفتوى: 167997.

وقد كان فرعون ـ قبحه الله ـ منكرا لوجود الله تعالى، وبعث إليه موسى عليه السلام يدعوه إلى التوبة والإيمان بالله وحده، فالقرآن ذكر هؤلاء الملحدين ودعاهم إلى التوبة، كما كان الشأن في قصة موسى عليه السلام، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وفرعون كان يظهر إنكار وجود الله. انتهى.

ولذا تكررت قصة موسى مع فرعون في القرآن لما أنه كان أشد عنادا وأعظم كفرا بخلاف سائر الكفار الذين بعث إليهم الرسل، فإن جلهم كانوا مثبتين للرب تعالى مقرين بأنه الخالق لهذا العالم، قال شيخ الإسلام: وثنى قصة موسى مع فرعون، لأنهما في طرفي نقيض في الحق والباطل، فإن فرعون في غاية الكفر والباطل حيث كفر بالربوبية وبالرسالة, وموسى في غاية الحق والإيمان من جهة أن الله كلمه تكليما لم يجعل الله بينه وبينه واسطة من خلقه، فهو مثبت لكمال الرسالة وكمال التكلم ومثبت لرب العالمين بما استحقه من النعوت، وهذا بخلاف أكثر الأنبياء مع الكفار، فإن الكفار أكثرهم لا يجحدون وجود الله ولم يكن أيضا للرسل من التكليم ما لموسى، فصارت قصة موسى وفرعون أعظم القصص وأعظمها اعتبارا لأهل الإيمان ولأهل الكفر. انتهى.

وبه يندفع ما ذكرته من كون ذكر الملحدين بهذا الاصطلاح لم يرد في القرآن، فكل كافر أو مشرك أو ملحد مهما كان شركه وكفره وإلحاده إذا أقبل على الله تائبا منيبا، فإن الله يقبل توبته، ويقيل عثرته، ويغفر له ذنبه، سواء كان من الإنس أو الجن، فإن الجن مكلفون كالإنس وإن كنا نجهل ماهية تكليفهم، وقد دعاهم مؤمنوهم إلى الإيمان والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، فدل على أن ذلك ينفعهم إذا تابوا ورجعوا إلى الله تعالى.

وأما إبليس: فهو رأس الكفار والمشركين والملاحدة، وما من شر في هذا العالم إلا وهو الآمر به والمزين له، فهو كافر مشرك، بل هو رأس الكفار والمشركين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة