السؤال
أنا شاب مسلم ومنذ مدة قرأت عن فلكي وطبيب فرنسي مات منذ ما يقرب من خمسة قرون ويدعى نوستراداموس هذا الرجل نال شهرة واسعة في مجال التنجيم والتنبؤ ولقد تنبأ الرجل كما يقول الناس فى كتابه قرون بأحداث حدثت بعد موته بخمسة قرون مثل انتحار هتلر وضرب الولايات المتحدة وغيرها من الأشياء. وسمعت أيضا عن عدة نبوآت لناس آخرين ولكنني سمعت أن الله قد كشف لعديد من الناس عن أمور غيبية. وإنني أخاف من كيد الشيطان فإنه له مداخل كثيرة إلى نفس الإنسان. فأنا أرجو منكم الرد بفتوى تثبتنا على الإيمان والإسلام ليستريح قلبي. ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الأمور المسلمة عند المسلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ومن نسب إلى شخص من الناس علم الغيب فقد خرج من ملة الإسلام، وكفر بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك دلت نصوص الوحي، قال تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) [النمل:65]، وقال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) [الأنعام: 50]، وقال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) [الأعراف:188].
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: "ومن زعم أنه -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) [النمل:65].
واعلم أخي الحبيب أن للشيطان مداخل إلى النفوس فاستعذ بالله من مداخله، واسأل الله حفظه وتأييده، وما يقوم به الكهنة والعرافون من الإخبار ببعض المغيبات أكثره من قبيل التخرص والظنون، فيقول لك مثلا: أنت ستتزوج بامرأة من قبيلتك، وسيكون لك أولاد، وهذا الذي أخبر به هذا الكاذب ليس أمرا غريبا، بل أكثر الناس يتزوجون ويرزقهم الله أولادا. أو ينظر إلى علاقة متوترة بين دولتين فيقول: ستحدث حرب بين دولة كذا ودولة كذا بعد عقد من الزمان، ثم يقدر الله أن تحدث هذه الحرب فيغتر الناس بكلامه ويفتنون مع أن الذي أخبر به هذا الكاذب أمر يتوقعه كل من له خبرة بالواقع.
أو يخبرك بشيء خاص بك لا يعلمه أكثر الناس، وهذا ليس أمرا مستغربا، لأن الله تعالى يقول: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون * ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) [الأنعام:112-113].
قال السدي في تفسير الآية: للإنسان شيطان وللجني شيطان، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. ا.هـ
والشيطان القرين للإنسي لا يفارقه في أكثر أحيانه، ويرى منه ويعلم عنه أكثر مما يعلم بقية أقارب هذا الإنسي، فلما يذهب الإنسي إلى الكاهن أو العراف يلتقي قريب الإنسي بشيطان الكاهن فيخبره بما فعل صاحبه، ثم يقوم شيطان الكاهن بإخبار صاحبه، وهذا كله ابتلاء واختبار من الله تعالى لعباده هل يؤمنون بقوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) [الجـن:26].
ومن أراد أن يعرف كذب هؤلاء الذي يدعون علم الغيب، فليسألهم عما يحدث في غد أو يقبض بيده قبضة عشوائية على عدد من الحصى، وينظر بعد ذلك إلى خبطهم وكذبهم.
وقد يصدق الكاهن والمنجم، وذلك في الخبر الذي تلقاه عن مسترق السمع قبل أن يدركه الشهاب، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر الحديث بتمامه في الفتوى رقم: 1850.
وقد يكون الرجل المذكور قد اعتمد على بعض الرؤى والنبوءات المذكورة في كتب أهل الكتاب وأصاب في تفسيرها، وكتب أهل الكتاب - رغم تحريفها - فيها بعض الأخبار والنبوءات والبشارات التي لم يلحقها التحريف، وإن كنا نحن منهيين عن الانشغال بها والتماس الهدى منها.
وأما ما ذكرت في كشف الله بعض أمور الغيب لمن يشاء من عباده فهذا حق، وهو حاصل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفي من سبق من الأمم، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 5416.
والله أعلم.