السؤال
اليوم مفروض علينا أن نستبيح بعض المحرمات حتى نتقدم، لأن الواقع فرض علينا ذلك وسأشرح ذلك بالتفصيل: انظر للشباب في أمريكا جلهم يبدأ بمشروع يقترض المال بالربا ويكون شركته ويسهم في تشغيل اليد العاملة ووو، بينما نحن المسلمون في البلدان التي لا يوجد بها بنوك إسلامية سنقول هذا حرام، ونتوقف ولن يكون هنالك لا شركة ولا تشغيل ولا أي شيء، وأغلبية الناس في مجتمعنا من أصبحوا أغنياء وكونوا مشاريع وفرص عمل هم الذين استباحوا الربا، وكذلك اقتصاد بلدنا قائم على السياحة بنسبة كبيرة وما يجلبه من عملة صعبة وعدد ضخم من مواطن العمل، والسياحة هنا أغلبها حرام، بما فيه الخمرة والميسر والعري والحفلات الغنائية والرقص والموسيقى وأنتم تحرمون هذه السياحة، إذن سنصبح فقراء وعدد مهول من الناس ستكون في البطالة، ولن يكون هنالك عملة أجنبية صعبة والاقتصاد سينهار وتصبح هنالك تبعية ووو، كذلك علينا أن نذهب لنعمل في شركات أجنبية حتى نكتسب الخبرة، وهذه الشركات ترتكب المحرمات، فلو رفضنا لن نحصل على الخبرة، فما هو ردكم على هذا؟ وعلى كثير غيره من مثله لم يذكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن مربوط بمنهج سماوي من قبل الخالق سبحانه يضبط أفعاله ويحكم تصرفاته ـ معاملات أوغيرها ـ وقد منع مما كان شرا محضا أوغلب شره خيره وكثر خبثه كالربا والخمر والميسر والعري، قال تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم {البقرة:276}.
وقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون {البقرة:278ـ 279}.
وقال عن الخمروالميسر: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون {البقرة:219}.
وقال: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون {المائدة:90}.
فهل ترى أن الفلاح في إتيان تلك المنكرات بعد ما قال الخالق اللطيف الخبير: فاجتنبوه لعلكم تفلحون ـ وقال في العري والعهر: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا {الإسراء:32}.
وقال: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون {النور:30}.
وحصول الدنيا بيد الكافر والفاجر ليست مقياسا لصحة المنهج، فالله قد يبتلي من أعرض عنه بشيء من هذه الدنيا استدراجا له قال تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون {الأنعام:44}.
وقال: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين {آل عمران:178}.
فمشكلة المؤمنين وتخلف بعضهم ليست في اجتناب المحرمات والتزام تقوى الله عز وجل، بل العكس صحيح، وما ذكرته من الأمثلة قد يكون فيه بعض المنافع كما أخبر الله تعالى عن الخمر والميسر: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون {البقرة:219}.
ولكن فيها أضعاف منافعها من المضار والسيئات، والاستدلال على إباحتها لما فيها من المنافع من حجج الشيطان وحزبه.
ولماذا الربا ولماذا القمار؟ هل ذلك هو سبيل التقدم كلا، وهل لابد أن نستحل المحرمات ونرد أمر رب الأرض والسموات ونضرب بوعده ووعيده عرض الحائط، لأننا رأينا شابا أخذ الربا فكان غنيا، ودولة فتحت أبوابها للخنا وشرب الخمر فزاد دخلها ونما اقتصادها؟ معنى ذلك أننا لسنا على شيء وأنه لا منهج لدينا وأننا نتخبط ونستكشف الطريق ونحن عنه تائهون ليهدينا إليه مراب أو داعية فسق، هكذا حال من لم يثق بموعود الله ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه فهو حيران يتخبط كالغريق كل ما عن له شيء تمسك به ابتغاء النجاة، وأنى له ذلك، فاعلم ـ وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه ـ أن الله قد شرع لنا من أبواب الحلال ما فيه غنية عن الحرام ووعدنا إن نحن استمسكنا بأمره واجتنبنا نهيه بالتمكين والتقدم، وتوعدنا إن خالفنا ذلك بالذل والمسكنة، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
والله أعلم.