السؤال
أولا أقدر لكم جهودكم وإن شاء الله في ميزان حسناتكم، ثانيا مشكلتي: منذ أن توفر النت في منزلي أي ما يقارب خمس سنوات وأنا فقط أبحث عن علامات الساعة وما يجري في العالم من مجريات لها علاقة بذلك حتى إنني أكتب إليكم وأنا هلعة، شيخي تخيل أنني أهملت بيتي وزوجي وأطفالي ومستقبلي ودائما في نفس الدوامة كلما حصل شيء في العالم قارنته بعلامات الساعة، ومنذ فترة وصلني إيميل خبر بنهاية العالم، ومرة أخرى بقرب ظهور الدجال، لا تتصور الهلع لا أنام لا أفعل شيئا سوى البحث، لا أظن أن كل المسلمين يفعلون ما أفعل فأرى ما شاء الله حولي أناسا متدينين ومثقفين يخافون الله ويتقونه وناجحون في حياتهم ويتطورون، وأحيانا أقول لنفسي اقرأ القرآن الكريم خير من التفكير، لكني أعود لنفس الدوامة وأحيانا أكون بين الناس وأفكر في نفس الموضوع ولا أدري هل ما أفعله صحيح أم إنني خاطئة؟ أعلم أن الموت حق والساعة حق وأحاول تثقيف نفسي دينيا لكن بلا فائدة أعود لنفس الموضوع، ومن كثرة القراءة والبحث بين موضوع صحيح ومكذوب أصاب بالخوف الشديد الذي يمنعني من التطور ويكبلني أرى الناس حولي يعملون وينتجون وأنا لا شيء أبحث ليلا ونهارا وفي كل فرصة ولا أعتقد أن الإسلام يريد هذا فديننا الحبيب دين علم وعمل أيضا أشفق على نفسي وبيتي وأطفالي وزوجي قصرت في حقهم أجلس ساعات أمام الكمبيوتر أبحث وأقارن أرشدوني ماذا أفعل؟ وهل أنا على صواب أم لا؟ وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أنك لست على صواب فيما تفعله، والواجب عليك أن تعلم علما يقينا أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وأن وقت الساعة وكذا وقت حدوث أشراطها مما استأثر الله تعالى بعلمه، قال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو {الأعراف:187}.
وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن وقت الساعة: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
فالواجب عليك أن تؤمن بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كائن ولا بد كما أخبر به، ثم لا تشغل نفسك بوقت حدوث ما أخبر به عالما أن كل من يتكلم في تعيين وقت الساعة أو أشراطها فإنما يتكلم بجهل ويتكلف ما لم يحط به علما، فالخوض في هذا والبحث عنه عناء مجرد لا طائل تحته ولا يمكن أن يهتدى فيه لعلم، إذ ليس عن المعصوم إلا الإخبار المجمل بهذه الأشراط، والعاقل لا يشغل نفسه بالبحث عما يقطع بأن البحث عنه عبث وضياع للوقت، ثم عليك أن تشغل نفسك بما ينفعك وينجيك يوم تقوم الساعة وتحق الحقائق ويعاين كل مكلف ما أخبر به المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقد أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله متى الساعة؟ فقال له صلوات الله عليه: ويحك وما أعددت لها. متفق عليه.
فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينفعه ونهاه عن البحث فيما لا نفع له فيه ولا سبيل إلى معرفته وبين له أن واجبك الاشتغال بمصيرك والإقبال على شأنك والنظر فيما يؤول إليه أمرك يوم تقوم الساعة وهي قائمة ولا بد، قال الشيخ عبد المحسن العباد: قوله: وماذا أعددت لها ـ أي ما العمل الصالح الذي أعددته لتلقى جزاءه إذا قامت الساعة، قال الحافظ: قال الكرماني: سلك مع السائل أسلوب الحكيم، وهو تلقي السائل بغير ما يطلب مما يهمه أو هو أهم، وقال في فوائده: فيه أن من حسن إسلام المرء اشتغاله بما يعنيه وتركه ما لا يعنيه، وأن الاستعداد للدار الآخرة والعمل لما بعد الموت هو الشيء المهم الذي يجب أن تصرف إليه الهمم. انتهى.
والله أعلم.