السؤال
سؤالي عن الرياء وأرجو الإجابة عنه كاملا لأنه يحوي أكثر من استفسار ولكن كلها في هذا الموضوع:
فالذي أعلمه أن الرياء بالإضافة إلى أنه كبيرة فهو محبط للعمل. فماذا إذا سمع (بتشديد الميم) الإنسان بعمل أو دخل فيه الرياء ثم استغفر وتاب. فهل يعود إليه ثواب العمل إن شاء الله وماذا إذا سأل الناس شخصا لماذا لم تصل الصبح وهو قد صلاها في مسجد آخر فهل إذا أجابهم بأنه صلى ولكن في مسجد آخر يكون فيه رياء خاصة أن هوى النفس أن لا يعلم الناس عنه شرا؟ وهل يحاسب؟ هل هذا الهوى عند إجابتهم وهل من الأفضل التعريض أو الهرب من السؤال أم الإجابة حتى لو كان في النفس حب لإظهار العمل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن الرياء كبيرة ولا يقبل العمل الذي عمله صاحبه رياء، وأما الإخبار بالعمل بعد أن عمله العبد مخلصا فهو من السمعة المحرمة إن كان أخبر به طلبا لنفع أو مدح الخلق، واختلف في حبوط العمل بسبب السمعة.
قال العلامة محمد مولود الشنقيطي في مطهرة القلوب:
والسمعة الاخبار بالطاعات * بعد خلوصها من الآفات
لبعض أغراض الرياء والعمل * تفسده ولكن إن تبت اندمل اهـ
والمعنى أنه إذا تاب من ذلك يغفر له ولا يحبط عمله الذي سمع به.
وقال أبو طالب المكي قي قوت القلوب في معاملة المحبوب: وقد روينا في الخبر : لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان، فجمع بين المنة والسمعة، كما جمع بين السمعة والرياء ورد بهن الأعمال؛ فالمسمع الذي يتحدث بما صنعه من الأعمال ليسمعه من لم يكن رآه، فيقوم ذلك مقام الرؤية، فسوى بينهما في إبطال العمل لأنهما عن ضعف اليقين، إذ لم يكتف المسمع بعلم مولاه، كما لم يقنع المرائي بنظره فأشرك فيه سواء، وألحق المنان بهما لأن في المنة معناهما من أنه ذكره فقد سمع غيره به ...اهـ
ومال الغزالي إلى أن ما يطرأ بعد انتهاء العمل من التحدث به لا يكون مبطلا لثواب العمل؛ بل الأقيس أن يقال إنه مثاب على عمله الذي مضى، ومعاقب على مراءاته بطاعة الله بعد الفراغ منها.
فقد قال في الإحياء : إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ثم ورد عليه وارد الرياء فلا يخلو إما أن يرد عليه بعد فراغه من العمل أو قبل الفراغ، فإن ورد بعد الفراغ سرور مجرد بالظهور من غير إظهار فهذا لا يفسد العمل إذ العمل قد تم على نعت الإخلاص سالما عن الرياء، فما يطرأ بعده فيرجو أن لا ينعطف عليه أثر لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به ولم يتمن إظهاره وذكره ولكن اتفق ظهوره بإظهار الله ولم يكن منه إلا ما دخل من السرور والارتياح على قلبه، نعم لو تم العمل على الإخلاص من غير عقد رياء ولكن ظهرت له بعده رغبة في الإظهار فتحدث به فهذا مخوف، وفي الآثار والأخبار ما يدل على أنه يحبط فهذا مخوف ....ثم ساق آثارا في ذلك ثم استبعد أن يكون ذلك الطارئ مبطلا لثواب العمل . فقال : بل الأقيس أنه مثاب على عمله الذي انقضى ويعاقب على مراءاته بطاعة الله ولو بعد فراغه منها بخلاف ما لو تغير عقده إلى الرياء في أثنائها فإنه يحبطها بل يفسدها إن تمحض قصد الرياء، فإن لم يتمحض لكنه غلب حتى انغمر قصد القربة فيه فهذا يتردد في إفساده للعبادة . .... اهـ
وقال ابن القيم في البدائع: المعلوم من قاعدة الشرع أن إبطال ما وقع من الأعمال إنما يكون بأسباب نصبها الله تعالى مبطلات لتلك الأعمال كالردة المبطلة للإيمان، والحدث المبطل للوضوء، والإسلام المبطل للكفر، والتوبة المبطلة لآثار الذنوب، وقريب منه المن والأذى المبطل للصدقة وفي الرياء اللاحق بعد العمل خلاف. اهـ.
وأما من سأله الناس فلا حرج عليه في الإخبار بالحقيقة ولا سيما إذا ترتب على ذلك حفظ عرضه من اتهام الناس بالتهاون في الطاعات، بل إن التوفيق للطاعة نعمة ينبغي التحدث بها على سبيل الشكر لله تعالى، وينبغي له أن يجاهد نفسه في عدم فعل ذلك لمدح الناس أو نفعهم؛ كما قال ابن العربي: إذا أصبت خيرا أو عملت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعا: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر... اهـ
والله أعلم.