السؤال
لقد قرأت ـ كتيبا للشيخ ابن عثيمين واسمه: عقيدة أهل السنة والجماعة ومن ضمن ما قرأت في الصفحة: 18ـ 19ـ وبالنص: ونؤمن بأن لله تعالى يدين كريمتين عظيمتين، ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين ـ والسؤال لكم: هل يحق لنا شرعا أن نصف الله بهذا الوصف الدقيق حيث من الممكن أن نقول إن لله يدين اثنتين أو عينين اثنتين يعنى نقوم بتحديد الأعين أو الأيدي بالعدد لأنه قام أحد الإخوة المتصوفين بالطعن في الشيخ وفي هذا الكلام ولا أستطيع الرد عليه وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأهل السنة والجماعة والذين من أعيان علمائهم في هذا العصر العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ يثبتون لله تعالى جميع ما أثبته لنفسه من الصفات، وينفون عنه جميع ما نفاه عن نفسه، وينزهونه سبحانه عن مماثلة المخلوقين فإنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقد أجمل هذا العقد المتين شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في أول الواسطية فقال ما لفظه: ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ـ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفو له ولا ند له ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه، ثم رسله صادقون مصدوقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ولهذا قال سبحانه وتعالى: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ـ فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم: من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. انتهى.
فإذا دلت النصوص على ثبوت يدين وعينين لله تعالى فإن أهل السنة يثبتون ذلك، لأن الله أثبته لنفسه معتقدين أن صفته سبحانه لا تشبه صفة المخلوقين، وقد قال تعالى: بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء {المائدة:64}.
وقال سبحانه: قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي {ص:75}.
فهذا دال على ثبوت اليدين لله تعالى على ما يليق بجلاله، وأما ثبوت العينين له سبحانه فاستدل له بحديث: إن ربكم ليس بأعور ـ قال ابن القيم في الصواعق: ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي: إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه إلى من تلتفت إلى خير لك مني، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربكم ليس بأعور ـ صريح في أنه ليس المراد إثبات عين واحدة ليس إلا فإن ذلك عور ظاهر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. انتهى.
وإثبات اليدين والعينين لله تعالى على ما يليق به هو معتقد الإمام أبي الحسن الأشعري الذي ينتسب إلى اعتقاد مذهبه جل المخالفين، وقد نسبه إلى الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، قال رحمه الله في الإبانة: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ـ نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته ـ قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، إلى أن قال عليه الرحمة: وأن له سبحانه وجها بلا كيف، كما قال: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام 27 وأن له سبحانه يدين بلا كيف، كما قال سبحانه: خلقت بيدي ـ من الآية (75) وكما قال: بل يداه مبسوطتان من الآية (64) وأن له سبحانه عينين بلا كيف، كما قال سبحانه: تجري بأعيننا. انتهى.
فأي تثريب يلحق الشيخ ـ رحمه الله ـ وأي لوم يتوجه إلى قوله المستند على الكتاب والسنة وأقوال من ذكرنا؟ بل الشناعة للمشنع ألحق وبه أليق، فاستمسك هديت بما كان عليه السلف الصالح مثبتا ما أثبته الله لنفسه نافيا ما نفاه عن نفسه معتقدا تنزهه سبحانه عن مماثلة المخلوقين ففي ذلك النجاة والعصمة بإذن الله.
والله أعلم.