تولية المناصب ينبني على توفر القوة والأمانة

0 356

السؤال

ما الأصول العامة لتزكية الرجال في الشريعة فيما يخص العمل الإسلامي ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فتولية الرجال المناصب تنبني على وجود مقومين رئيسين هما: القوة والأمانة، فمن كان أكمل في هذين الجانبين القوة والأمانة كان أولى بأن يزكى للعمل، وإذا وجد خلل في أحد هذين الجانبين أو فيهما فإنه يقدم الأمثل فالأمثل، ثم إن كان العمل مفتقرا إلى القوة أكثر من افتقاره إلى الأمانة قدم القوي، وإن كان غيره أفضل منه في الأمانة والعكس بالعكس، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى ونحن ننقل من كلامه طرفا مختصرا يتبين به المقصود ويتضح به المقام.

قال الشيخ رحمه الله: وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب، فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. كما قال تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}. وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: إنك اليوم لدينا مكين أمين. وقال تعالى في صفة جبريل: {إنه لقول رسول كريم} {ذي قوة عند ذي العرش مكين} {مطاع ثم أمين} . والقوة في كل ولاية بحسبها؛ فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب والمخادعة فيها؛ فإن الحرب خدعة. وإلى القدرة على أنواع القتال: من رمي وطعن وضرب وركوب وكر وفر ونحو ذلك؛ كما قال الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.

والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام. والأمانة ترجع إلى خشية الله وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا، وترك خشية الناس؛ وهذه الخصال الثلاث التي أخذها الله على كل من حكم على الناس؛ في قوله تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا. واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة. فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها؛ فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا؛ كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه؛ وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال: {إن خالد سيف سله الله على المشركين} . مع أنه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه - مرة - قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال: {اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد} لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ولم يكن يجوز ذلك، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم؛ ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب؛ لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل. وقد كان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق؛ ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم} رواه مسلم. نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفا مع أنه قد روي: {ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر}. انتهى.

وبه يعلم أن مرد الأمر إلى المصلحة ومراعاة من هو أقوم بتلك الوظيفة وأقدر عليها وأكمل قوة وأمانة فتوكل إليه، وقد توكل مهمة ما إلى مفضول لكونه أقدر على القيام بها على الوجه الذي يحبه الله من الفاضل كما مر بك مثاله في كلام شيخ الإسلام رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة