السؤال
ما حكم قول: إن مخاطبة الكون تعني مخاطبة الله أو قراءة القرآن. وإذا قلنا إن ذلك لايجوز قالوا: إن الله هو الدهر والكون من الدهر.
أرجو التوضيح.
ما حكم قول: إن مخاطبة الكون تعني مخاطبة الله أو قراءة القرآن. وإذا قلنا إن ذلك لايجوز قالوا: إن الله هو الدهر والكون من الدهر.
أرجو التوضيح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن مخاطب الكون مخاطب لله تعالى من أعظم الباطل وأبين الزور، فإن أراد به قائله أن الكون هو الله كما هو الظاهر من الكلام فهو أكفر من اليهود والنصارى، وذلك أن أهل الملل جميعا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويؤمنون برب أوجد العالم بعد أن لم يكن وأنه تعالى مباين لهذا الكون، وإذا كان قول من ادعى الحلول الخاص أو الاتحاد الخاص كالنصارى الذين زعموا ذلك في عيسى عليه السلام من أكفر الخلق فكيف بمن ادعى حلول الله في الكون، أو أن الله اتحد بالكون بحيث يقول إن الكون هو الله تعالى الله عن هذا الزور والبهتان علوا كبيرا.
قال شيخ الإسلام: والقول بأن الخالق حال في المخلوق أو وجوده وجود المخلوق باطل، وهؤلاء ينتقلون من القول بتوحيد الربوبية إلى القول بالحلول والاتحاد وهذا عين الضلال والإلحاد. انتهى.
وبطلان هذا القول أبين من أن يحتاج إلى بيان فإنه مناف للشرع والعقل والفطرة، وهو من أبعد الأقوال عن دين الرسل عليهم السلام، وغاية قائله ترك الشرائع وتعطيل الأمر والنهي، وقد أفرد أكثر الجزء الثاني من مجموع فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله لهذه المسألة وبيان بطلان هذا القول فانظره إن شئت.
وإن كان مراد هذا القائل غير هذا كأن يريد أن النظر في الكون يقود إلى معرفة الله أو نحو ذلك من المعاني الصحيحة وليس هو قائلا بوحدة الوجود، فقد عبر عن مراده بعبارة باطلة منكرة يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى من إطلاقها. فإن في هذه العبارة من سوء الأدب مع الله تعالى وإيهام المحظور ما لا يخفى. وأما القول بأن الله هو الدهر فهذا صحيح كما دل عليه الحديث باعتبار أن الله هو الفاعل الحقيقي لما يحدث في الزمان، وأنه سبحانه يقلب الدهر كيف يشاء، كما في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار. متفق عليه. وليس المراد أن الله نفسه هو الدهر اذ لا يعقل أن يكون المقلب بالكسر هو المقلب بالفتح كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى ، ومن زعم ذلك فقد أخطأ وذلك لسببين : السبب الأول :أن أسماءه سبحانه وتعالى حسنى، أي بالغة في الحسن أكمله، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسما جامدا ( أي : لا يدل على معنى ) ، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات .السبب الثاني :أن سياق الحديث يأبى ذلك ، لأنه قال : " أقلب الليل والنهار "والليل والنهار هما الدهر فكيف يمكن أن يكون المقلب بفتح اللام هو المقلب بكسر اللام ؟!" اهـ.
ولكن المراد هو بيان كون الأحداث الحاصلة في الدهر حصلت بقضاء الله تعالى وتدبيره.
قال الخطابي: معناه: أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور. انتهى.
وقال النووي: قال العلماء وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم، أو تلف مال أو غير ذلك، فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر. أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى؛ لأنه هو فاعلها ومنزلها. وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى. ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات. اهـ.
وقال ابن كثير: قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : " يا خيبة الدهر " فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يسبونه ويسندون إليه تلك الأفعال وهذا أحسن ما قيل في تفسيره ، وهو المراد .اهـ.
والله أعلم.