الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولا إلى أن تعدد الزوجات جائز بضوابطه الشرعية من العدل بين الزوجتين أو الزوجات، والقدرة على النفقة والمعاشرة، ولا يلزم الزوج إعلام زوجته الأولى إذا رغب في هذا الأمر، وراجع الفتوى رقم: 116176.
ورغبتك في الزواج من ثانية لا يبيح لزوجتك شتمك ولا أذيتك بأي وجه بل يحرم عليها جميع ذلك، كما يحرم عليها أيضا الدعاء عليك مع أنه لن يكون مستجابا لأنه دعاء غير مشروع، فالدعاء لا يستجاب إذا وجد مانع من الإجابة.
وراجع في موانع الإجابة الفتوى رقم : 120307.
وكان الأجدر بها أن تحسن إليك وتؤدي حقوقك الواجبة عليها، وراجع في ذلك الفتوى رقم : 122077.
وبخصوص تحريمك لزوجتك مثل تحريم أمك فالتلفظ به ظهار صريح عند الحنابلة من غير احتياج لنية، وهذا هو الأقرب ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية كما سبق في الفتوى رقم: 105241. والفتوى رقم: 96970.
أما كتابة هذا التحريم فى رسالة فهو من قبيل الظهار بالكتابة وقد جعله بعض الحنابلة مثل كتابة الطلاق، وفي مسألة كتابة الطلاق قولان عندهم حيث جعلها بعضهم من صريح الطلاق ورجح بعضهم أنه كناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية.
جاء في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى للرحيباني الحنبلي: ( وإن كتب صريح طلاقها ) أي امرأته ( بما يبين ) أي : يظهر ( بخلافه ) أي : بخلاف ما لو كتب صريح طلاق امرأته بما لا يبين كأن كتبه ( بأصبعه على نحو وسادة ) كعلى بساط أو حصير أو على شيء لا يثبت عليه الخط كالكتابة على الماء أو في الهواء ; فإنه لا يقع طلاقه ; لأن هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع ( وقع ) الطلاق, وإن لم ينوه ( لأنها ) أي الكتابة بما يبين ( صريحة فيه ) أي : الطلاق ; لأن الكتابة حروف يفهم منها معنى الطلاق, فإذا أتى فيها بالطلاق, وفهم منها, وقع كاللفظ, ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدليل أنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بتبليغ الرسالة, فبلغ بالقول مرة, وبالكتابة مرة أخرى, ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون ويتوجه عليه صحة الولاية بالخط . ذكره في " الفروع " وإن كتب كناية طلاقها بما يبين فهو قياس على ما قبله . ( ويتجه وكذا ) حكم ( نحو عتق ) كظهار إذا كتب صريحه بما يبين , فإنه يقع, وهو متجه . انتهى.
وفي تصحيح الفروع للمرداوي الحنبلي: قوله: وإن كتب صريح طلاقها بشيء يبين وقيل: أو لا، فعنه: صريح، نصره القاضي وأصحابه، وذكره الحلواني عن أصحابنا، وعنه: كناية، انتهى. هاتان الروايتان خرجهما في الإرشاد، وأطلقهما في المغني والمقنع والبلغة، والشرح وشرح ابن منجا والنظم وغيرهم. إحداهما: هو صريح، وهو الصحيح.
قال ناظم المفردات:
أدخله الأصحاب في الصريح وصححه في التصحيح.
قال في تجريد العناية: وقع، على الأظهر، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم، ونصره القاضي وأصحابه، وذكره الحلواني عن الأصحاب كما نقله المصنف. والرواية الثانية: هو كناية، فلا يقع من غير نية، جزم به في الوجيز، قال في الرعاية: وهو الأظهر قلت: وهو الصواب، والذي يظهر أن الأول بعيد وإن كان عليه الأكثر. انتهى
إضافة إلى أن كتابة الظهار للشافعية فيها قولان، وقد جعلوها مثل كتابة الطلاق، والصحيح عندهم أن كتابة الطلاق كناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية.
جاء في الحاوي الكبير للماوردي: فأما الظهار بالكتابة فهو كالطلاق على قولين. انتهى.
وفي المجموع للنووي: إذا كتب طلاق امرأته بلفظ صريح ولم ينو لم يقع الطلاق، لأن الكتابة تحتمل ايقاع الطلاق وتحتمل امتحان الخط، فلم يقع الطلاق بمجردها، وإن نوى بها الطلاق ففيه قولان، قال في الإملاء: لا يقع به الطلاق لأنه فعل ممن يقدر على القول فلم يقع به الطلاق كالإشارة، وقال في الأم هو طلاق وهو الصحيح. انتهى.
فبناء على أن كتابة الظهار مثل كتابة الطلاق، وكتابة الطلاق من قبيل الكناية عند أكثر أهل العلم كما سبق في الفتوى رقم : 120120. فإن كنت قد نويت الظهار فقد لزمتك كفارة ظهار وعليك إخراجها قبل معاشرة زوجتك، وهذه الكفارة سبق بيانها في الفتوى رقم : 192. وإن كنت لم تنو ظهارا فلا يلزمك شيء.
والله أعلم.