السؤال
ما هو الموت؟ وهل تموت الروح؟ فالروح هي النفس، وحين يأتي ملك الموت في آخر يوم القيامة ويقبض روحه ويموت، فيقول الله أين ملوك الأرض؟ لا أحد يرد؟ فهل هذا هو موت الروح؟ أحس بملل من هذه الدنيا، أركض وراءها ولا شيء فيها لي، هذا ما اكتشفته حديثا أن الموت وانسلاخ الروح من الجسد قادم لا محالة، لكن الغريب أن الروح لا تنام حتى في الأحلام، وحتى وقت انسلاخها عند الجسد وفي القبر، فما أطول مشوارنا حتى نرتاح؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 14876، أن الموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له.
وأما عن الروح هل هي النفس أو غيرها فقد قال ابن كثير: ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر، وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: يتبع بصره نفسه ـ المراد بالنفس هنا الروح، قال القاضي وفيه أن الموت ليس بإفناء وإعدام، وإنما هو انتقال وتغير حال وإعدام الجسد دون الروح إلا ما استثنى من عجب الذنب. اهـ.
واختلف هل الروح تموت أم لا؟ وقد تعرض شارح الطحاوية لهذه المسألة ورجح عدم موتها في عالم البرزخ فقال: واختلف الناس: هل تموت الروح أم لا؟ فقالت طائفة: تموت، لأنها نفس، وكل نفس ذائقة الموت، وقد قال تعالى: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ـ وقال تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ـ قالوا: وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس البشرية أولى بالموت، وقال آخرون: لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان، قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر، فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية، فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وتلك الموتة هي مفارقة الأرواح للأجساد، وأما قول أهل النار: ربنا أمتنا اثنتين، وقوله تعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ـ فالمراد: أنهم كانوا أمواتا وهم نطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور، وليس في ذلك إماتة أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات، وصعق الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتها، فإن الناس يصعقون يوم القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء، وأشرقت الأرض بنوره، وليس ذلك بموت. ... وكذلك صعق موسى عليه السلام لم يكن موتا، والذي يدل عليه أن نفخة الصعق ـ والله أعلم ـ موت كل من لم يذق الموت قبلها من الخلائق، وأما من ذاق الموت، أو لم يكتب عليه الموت من الحور والولدان وغيرهم، فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية. اهـ.
وأما موت ملك الموت فلا علاقة له بأرواح الآخرين، وينبغي لمن أحس بملل من هذه الدنيا أن يحرص على توظيف ما بقي من عمره في تحقيق كمال التوحيد والإيمان والاستسلام والانقياد لله تعالى، فيوظف وقته في تعلم الشرع والتفقه فيه ومجاهدة النفس على العمل به والدعوة إليه وتعليمه، فبذلك يجد فائدة الحياة ويعرف قيمتها ويحرص على الاستفادة منها.
والله أعلم.