السؤال
لي صديق مقرب جدا مني، وعائلته مقربة من عائلتنا، وله أخت كانت تعمل في جمعية خيرية، وكان يدير هذه الجمعية شاب، وللأسف لعب الشيطان بهما فزنيا، وللأسف خافت من أهلها وهربت مع هذا الشاب لمدة تزيد عن أربعة أشهر، وبحثوا عنها فلم يعثروا عليها، فأمسكوا بالشاب الذي زنت معه وأقر بمكانها، وذهبوا ليأتوا بها، فلما أتوا بها أراد أبناء عمها وأخوها الأكبر قتلها، وتركوا هذا الشاب فاعترض صديقي هذا وأخوه الآخر على ذلك، وهددهم بالإبلاغ عنهم إذا قتلوها، فخافوا من ذلك، فأخذها صديقي هذا وخرج بها لا يدرى إلى أين يذهب بها وكانت حاملا في شهورها الأخيرة، وكان أبناء عمها قد أذاقوا هذا الشاب ضربا شديدا حتى يعترف بمكانها، فلما تركوه وذهب إلى بيته أخذه أبوه إلى قسم الشرطة وكان محاميا، فلما استدعوا أخا صديقي الذي اعترض على قتلها معه في قسم الشرطة ذكر ماحدث من ذلك الشاب، فلما سأله أبوه عن ذلك أقر به، فتنازل أبوه عن المحضر وقال لابد أن تتزوجها، ولم يبد الشاب اعتراضا على الزواج ووافق على الزواج بدون أن يضغط عليه أحد، وتزوجا في قسم الشرطة وكان يريد أن يتزوجها قبل أن يحدث ذلك كله، ولما حدث ذلك خافا من أهلها فهربا إلى أن تلد، وبعد ذلك تظهر على أنها مخطوفة، وبعد أن تظهر يتقدم لزواجها فلم يتم الله ذلك.
والسؤال: هل يصح هذا الزواج؟ وما حكم هذ الولد الذي أتى بسبب هذا الزنا كيف يعامل وكيف تعامل هي بعد هذا الجرم الذي فعلته وهل ما فعله أخوها صحيح أو أخطأ وماحكمه إن وافق على قتلها؟
هكذا يسأل.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج الرجل بمن زنا بها وهي حامل منه لا يجوز عند جماهير العلماء إلا بعد وضع حملها، و الولد الحاصل من الزنا لا ينسب إلى الزاني، لكن ذهب بعض العلماء إلى صحة هذا الزواج وأن الولد ينسب إليه ما دامت المرأة ليست فراشا لغيره ولم ينازعه أحد في نسب الولد.
قال ابن القيم – بعد أن ذكر هذا –: وهذا مذهب الحسن البصري، رواه عنه إسحاق بن راهويه بإسناده فى رجل زنا بامرأة، فولدت ولدا فادعى ولدها، فقال يجلد ويلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، ذكر عنهما أنهما قالا: أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه، واحتج سليمان بن يسار بأن عمر بن الخطاب كان يليط (أي يلحق) أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام. انتهى.
وهذا الرأي أيضا يراه محمد بن سيرين، وشيخ الإسلام ابن تيمية. ورجحه تلميذه ابن القيم، وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه، أن يتزوجها مع حملها، ويستر عليها، والولد ولد له.
وعلى كل الأقوال فإن ولد الزنا تجب له الرعاية والحقوق المكفولة للأطفال ولا يعاقب بجناية والديه، وانظر الفتوى رقم : 7501
وأما عن معاملة تلك المرأة فإن تابت واستقامت فالتوبة تمحو ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأما إن كانت مصرة على المعصية فإنها تنصح وتؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ويحال بينها وبين أسباب المعصية، وأما بخصوص ما أراده أبناء العم والأخ من قتل تلك المرأة فهو غير جائز بلا ريب وقتل لنفس معصومة إن كانت الفتاة غير محصنة، ولا سيما إذا أرادوا قتلها وهي حامل فذلك ظلم عظيم وإثم مبين، وانظر الفتوى رقم : 38473.
والله أعلم.