السؤال
الكل منا يؤمن بالجنة والنار، ولقد سمعت أن من يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإنه لن يخلد في النار مدى الحياة . ولكن هل الفرق التي حدثنا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: ( .... انقسمت أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة هالكة إلا واحدة .... ) هل الفرق الهالكة سوف تخلد في النار أم ستعاقب ثم تنتقل للجنة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه صحيح ثابت، وقد أوضحنا صحته وبينا معناه في الفتوى رقم: 12682 فلتنظر، ثم إن أتباع هذه الفرق الضالة من المنتسبين إلى الإسلام من أهل البدع وليسوا كفارا إلا من كان منهم مضمرا للكفر في باطنه، فهؤلاء المنتسبون إلى هذه الفرق الثنتين والسبعين حكمهم حكم أصحاب الذنوب والكبائر من الأمة فمآل من مات منهم على التوحيد إلى الجنة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط، ثم عبد الله بن المبارك وهما - إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين قالا: أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة. فقيل لابن المبارك: والجهمية؟ فأجاب: بأن أولئك ليسوا من أمة محمد. وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية. وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم قالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة كما لا يدخل فيهم - المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة. وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة وجعلوا أصول البدع خمسة فعلى قول هؤلاء: يكون كل طائفة من " المبتدعة الخمسة " اثنا عشر فرقة وعلى قول الأولين: يكون كل طائفة من " المبتدعة الأربعة " ثمانية عشر فرقة. وهذا يبنى على أصل آخر وهو " تكفير أهل البدع " فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم فإنه لا يكفر سائر أهل البدع بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله هم في النار مثل ما جاء في سائر الذنوب مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا} . ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين: منهم من يكفرهم كلهم وهذا إنما قاله بعض المستأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين. وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير " المرجئة " و " الشيعة " المفضلة ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع - من هؤلاء وغيرهم خلافا عنه أو في مذهبه حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة. ومنهم من لم يكفر أحدا من هؤلاء إلحاقا لأهل البدع بأهل المعاصي قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدا بذنب فكذلك لا يكفرون أحدا ببدعة. انتهى كلامه رحمه الله.
والله أعلم.