السؤال
سؤالي هو: لماذا العقاب على المغتصب ليس بالقدر الكافي، فبعض الناس يفضل أن يقتل على أن يتم اغتصابه، وإذا كان هناك دليل أن الرسول قد حكم على أحد المغتصبين بهذا الحكم فأرجو منكم أن تضعوا الدليل وأن يكون إسناده صحيحا؟ وشكرا
سؤالي هو: لماذا العقاب على المغتصب ليس بالقدر الكافي، فبعض الناس يفضل أن يقتل على أن يتم اغتصابه، وإذا كان هناك دليل أن الرسول قد حكم على أحد المغتصبين بهذا الحكم فأرجو منكم أن تضعوا الدليل وأن يكون إسناده صحيحا؟ وشكرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المراد بالاغتصاب: إكراه ذكر على ارتكاب فاحشة اللواط معه، فعقوبة ذلك قتل المكره (بكسر الراء)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وراجع الفتوى رقم: 1869. ولا فرق في عقوبة الفاعل بين ما إذا كان المفعول به طائعا أو مكرها.
قال أبو الحسن المالكي في (كفاية الطالب الرباني): ومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما، أحصنا أو لم يحصنا.
فقال العدوي في حاشيته: وقوله: "أطاعه" شرط أيضا في رجم المفعول به احترازا عما لو أكرهه فإنه لا شيء عليه، وأما الفاعل فإن كان بالغا فإنه يرجم مطلقا، سواء كان المفعول به بالغا أو غير بالغ، طائعا أو مكرها. اهـ.
وأما إن كان المراد به: إكراه أنثى على الزنا، فإن كان المغتصب محصنا فعقوبته القتل رجما. وإن كان غير محصن فعقوبته: جلد مائة وتغريب عام. ويضاف إلى ذلك ما يتعلق بكون الأمر وقع اغتصابا، وهو: مهر المثل لهذه المرأة، يدفعه إليها الغاصب، وراجع في ذلك الفتويين: 94334، 19424. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 24127، 48270.
وأما إن كان المقصود هو الإكراه على ما هو دون الوطء من أنواع الاستمتاع، فهذا وإن كان غاية في الحرمة، إلا أن مرتكبه لا يعاقب بالحد الشرعي السابق، وإنما يعزر بقدر ما يراه القاضي من العقوبة زاجرا له ولأمثاله، وراجع الفتوى رقم: 36587.
وأما ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق من أكره امرأة على الزنا، فمنه حديث علقمة بن وائل بن حجر الكندي عن أبيه أن امرأة خرجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة فتلقاها رجل فتجللها فقضى حاجته منها، فصاحت فانطلق، ومر عليها رجل فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، ومرت بعصابة من المهاجرين فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا. فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها وأتوها فقالت: نعم هو هذا. فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أمر به ليرجم قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا رسول الله أنا صاحبها. فقال لها اذهبي: فقد غفر الله لك. وقال للرجل قولا حسنا، وقال للرجل الذي وقع عليها: ارجموه. وقال: لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن غريب صحيح، وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه. اهـ. وحسنه الألباني.
وروى مالك في موطئه عن ابن شهاب أن عبد الملك بن مروان قضى في امرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها.
وبوب عبد الرزاق في مصنفه بابا في المستكرهة، أسند فيه عن حجاج أن حبشيا استكره امرأة منهم, فأقام عليه عمر بن عبد العزيز الحد، وأمكنها من رقبته.
وهذا كله إن وقعت الجريمة على وجه المخادعة والإسرار، وأما إن كانت على سبيل المكابرة والمجاهرة والمغالبة، فهذا يقام فيه حد الحرابة المذكور في قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم [المائدة: 33].
ولمجلس هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز قرار في هذا الشأن، جاء فيه: إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى. قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه: رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج. اهـ.
والله أعلم.