السؤال
أساتذنا الكرام، الحديث يطول في وقوع الطلاق البدعي من عدمه، ولكن سؤالى محدد. هل بنى جمهور العلماء رأيهم بوقوع الطلاق البدعي كمن طلق ثلاثا في مجلس واحد على اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أم عندهم أيضا دليل من السنة قوي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوقعه في عهده من طلق ثلاثا في مجلس؟ شاكرا لكم رحابة صدركم فأنا في حيرة من أمري لأني عن جهل مني طلقت زوجتي في طهر جامعتها فيه وثلاثا في مجلس واحد خصوصا عندما تقرأ الاية ( فطلقوهن لعدتهن).
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من حال السائل أنه مصاب بالوسوسة فى مجال الطلاق فقد وردت منه أسئلة كثيرة فى موضوع طلاق زوجته ثلاثا فى مجلس واحد وقد أجبنا عليها فى عدة فتاوى ومن بينها الفتوى رقم : 180861 ، والفتوى رقم : 180837 ، وقد بينا أن الراجح عندنا هومذهب الجمهور ، ومن أدلة الجمهور ما يلي:
1ـ جاء فى سنن أبى داود عن محمد بن إياس :أن ابن عباس، وأبا هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا، فكلهم قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره) . صححه الألبانى
2ـ فى معجم الطبرانى ومصنف عبد الرزاق عن علقمة قال: جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: إني طلقت امرأتي تسعة وتسعين، وإني سألت فقيل لي: قد بانت مني، فقال ابن مسعود: لقد أحبوا أن يفرقوا بينك وبينها قال: فما تقول رحمك الله، فظن أنه سيرخص له، فقال: ثلاث تبينها منك، وسائرها عدوان
3ـ فى مصنف ابن أبي شيبة عن معاوية بن أبي يحيى قال: جاء رجل إلى عثمان فقال: إني طلقت امرأتي مائة قال: ثلاث تحرمها عليك، وسبعة وتسعون عدوان
4ـ فى مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال: جاء ابن عباس رجل فقال: طلقت امرأتي ألفا، فقال ابن عباس: ثلاث تحرمها عليك، وبقيتها عليك وزرا. اتخذت آيات الله هزوا . انتهى.
مع العلم أن جمهور أهل العلم أن إمضاء الطلاق الثلاث ليس من اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد اختلفوا في معنى قول ابن عباس : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.. فذهب البعض منهم إلى أن معناه أن الناس لم يكونوا يوقعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا طلقة واحدة وأنهم استعجلوا بإيقاع الثلاث دفعة واحدة فأمضاه عليهم. يقول الباجي موضحا هذا المعنى: فمن أوقع الطلاق الثلاث بلفظة واحدة لزمه ما أوقعه من الثلاث وبه قال جماعة الفقهاء وحكى القاضي أبو محمد في إشرافه عن بعض المبتدعة يلزمه طلقة واحدة, وعن بعض أهل الظاهر لا يلزمه شيء, إنما يروى هذا عن الحجاج بن أرطاة ومحمد بن إسحاق , والدليل على ما نقوله إجماع الصحابة ; لأن هذا مروي عن ابن عمر وعمران بن حصين وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم وما روي عن ابن عباس في ذلك من رواية طاوس قال فيه بعض المحدثين هو وهم. قال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه: وعندي أن الرواية عن ابن طاوس بذلك صحيحة فقد رواه عنه الأئمة معمر وابن جريج وغيرهما وابن طاوس إمام, والحديث الذي يشيرون إليه هو ما رواه ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. ومعنى الحديث أنهم كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس ثلاث تطليقات ويدل على صحة هذا التأويل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فأنكر عليهم أن أحدثوا في الطلاق استعجال أمر كانت لهم فيه أناة فلو كان حالهم ذلك من أول الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله, ما عاب عليهم أنهم استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الطلاق الثلاث لمن أوقعها مجتمعة, فإن كان هذا معنى حديث ابن طاوس فهو الذي قلناه إن حمل حديث ابن طاوس على ما يتأول فيه من لا يعبأ بقوله, فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع، ودليلنا من جهة القياس أن هذا طلاق أوقعه من يملكه فوجب أن يلزمه ، أصل ذلك إذا أوقعه مفرقا. اهـ.
وللمزيد عن أدلة الجمهور والوقوف على تفاصيل أكثر عن هذه المسألة راجع زاد المعادلابن القيم .
وبخصوص أدلة الجمهور أيضا على وقوع الطلاق فى طهر حصل فيه جماع فقد سبق بعضها فى الفتوى رقم :110547.
والله أعلم.