السعي لإقامة الدين واجب على المسلمين حسب الإمكان

0 376

السؤال

عند العمل الإسلامي توجد ثوابت ومتغيرات، فهل يجب أن يكون التشدد في ثوابت العمل الإسلامي؟ علما أن الهدف في التشدد هو إظهار أن للإسلام قوة ومنعة من التغير في ثوابته، لأن كثيرا من حركات العمل الإسلامي تتهاون في الثوابت بدعوى الغاية فتعمل بوسيلة ربما تكون فاسدة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبعيدا عن هذه المصطلحات الحادثة فالواجب على العاملين للإسلام أفرادا وجماعات أن يسعوا لإقامة الدين الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بما أمكنهم من الوسائل المشروعة، وهذا الدين الذي كمله الله وأتم علينا به النعمة على المسلمين السعي إلى إقامته كله، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة  {البقرة:208}.

وأنكر على من أقام بعض الدين وترك بعضا، فقال سبحانه: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض {البقرة:85}.

ولكن لا يخاطب الشخص إلا بما قدر عليه، فما عجزت عنه هذه الطوائف العاملة للإسلام فهي غير مكلفة به، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.

فالمقدور عليه من أمر الدين يسعى لإقامته، والمعجوز عنه يسعى لتحصيل أسباب القدرة عليه، مع مراعاة لفقه أولويات العمل الإسلامي ومراعاة المصالح والمفاسد التي تحتاج إلى نظر دقيق وفهم ثاقب بحيث تراعى أعظم المصلحتين فتقدم وأعظم المفسدتين فتدفع، وهذا كلام نفيس لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ لعله يكون هاديا على هذا الدرب، يقول الشيخ رحمه الله: قال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم ـ فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم.... وباب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر، وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء، ولهذا جاء في الحديث: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات ـ فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها ـ كما بينته فيما تقدم: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط، مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررا من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر، فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح ـ كما تقدم ـ بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر، فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها. انتهى محل الغرض من كلامه رحمه الله.

وإذا أعطيته حقه من التأمل ظهر لك أن كثيرا من المسائل التي تختلف فيها الطوائف العاملة للإسلام محل اجتهاد معتبر، وإنما الواجب فيها مراعاة المصالح والمفاسد بحسب الإمكان، وأن هذا الأمر الذي سميته أنت بالثوابت والمتغيرات قد يتفاوت تفاوتا عظيما بتفاوت الأزمنة والأمكنة وتباين المقدور عليه والمعجوز عنه، والمقصود أن الواجب السعي لإقامة الدين الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم بجميع فروعه وشعبه بحسب الإمكان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى