السؤال
جاء في الفتوى رقم: 49816، قولكم بجواز قول شخص لآخر: الله يسمع منك ـ واستدللتم بقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وبقوله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ـ ووجدت غيركم من أهل العلم أيضا يفتون بجواز هذه العبارة، غير أنه أشكل علي أمر: قائل هذه الجملة إما أن يقصد الدعاء بالسماع، وإما أن يقصد
الإخبار بالسماع، وإما أن يقصد الإخبار بالإجابة، وإما أن يقصد الدعاء بالإجابة، ولا خامس لها:
الأول: فإن كان يقصد الدعاء بالسماع، فإنه قد يدخل في باب الاعتداء في الدعاء، ذلك أن الله تبارك وتعالى أخبر عن نفسه ـ كما في الآيتين السابقتين ـ أنه سميع بصير، فهو سبحانه يسمع كل شيء، سواء دعا الداعي أم لم يدع، فما فائدة دعائه هذا؟ بل إن ظاهر دعائه يلزم منه أنه يعتقد بأن الله قد يسمع وقد لا يسمع، فالدعاء قد يستجاب وقد لا يستجاب، أي أنه يسمع أحيانا ولا يسمع أخرى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني: أما إن كان يقصد الإخبار بالسماع، فهذا تحصيل حاصل، ولا يقول به عاقل.
الثالث: وأما إذا قصد الإخبار بالإجابة فهذا تقول على الله بغير علم، وتألى عليه سبحانه، وكأن المخبر اطلع الغيب أو اتخذ عند الله عهدا.
الرابع: وأما إن كان يقصد الدعاء بالإجابة، أي يريد: اللهم استجب ـ فأيضا جواز هذا فيه نظر، أي نعم لا إشكال فيه من حيث الأصل ولكن قد يفهم منه معنى خاطئ، وهو الدعاء بالسماع، فيكون هذا القول، ولو كان بنية الدعاء بالإجابة، فاسدا لإيهامه معنى فاسدا، ودليله قوله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ـ فنهى سبحانه عن استعمال الجائز في أصله لاحتماله ما لا يجوز، قال العلامة السعدي في تفسير الآية: ففيه النهي عن الجائز، إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب، واستعمال الألفاظ، التي لا تحتمل إلا الحسن، وعدم الفحش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن ـ وهذا هو الغالب في كل من يقول هذه العبارة، يريدون أن يستجيب الله الدعاء، فكيف نقول بجوازها مع المحظور الذي ذكرته آنفا؟ وبارك الله فيكم ونفع بكم وثبتنا الله وإياكم على الحق حتى نلقاه، إنه سميع قريب.