السؤال
صديقتي عمرها 18 سنة وتريد أن تنضم السنة القادمة للهلال الأحمر لمساعدة الحجاج في المسجد النبوي الشريف، وعندما أخبرها إخوانها بأن والدها لن يقبل ذلك غضبت وقالت وهي في أشد الغضب وبدون استيعاب: سأنضم إلى الهلال الأحمر ولو دخلت النار. واستغفرت بعد ما استوعبت خطورة الكلمة التي قالتها، وظنت أنها خرجت عن الإسلام بقولها هذه الكلمة ( ولو دخلت النار ) وتوضأت وتشهدت.
السؤال: هل بقولها ( ولو دخلت النار ) أخرجها من الإسلام، مع العلم بأنها لم تكن تريد أن تقول ذلك وكانت في حالة غضب. وهل بوضوئها وتشهدها قد عادت إلى الإسلام مع العلم بأنها ندمت على هذه الكلمة؟
جزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر أن قائلة هذه العبارة أرادت أنها لن تترك هذا العمل الخيري مهما كان رفض الوالد له.
ولو أنها أرادت الإصرار على معصية العقوق لأبيها التي يخشى دخول النار بسببها فليس ذلك مما تحصل به الردة، لأن الردة لا تقع إلا بانشراح الصدر للكفر، ويدل لذلك قول الله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. {النحل:106}.
وينبغي النظر في طاعة الوالد في هذا، فإذا كان للوالد غرض صحيح من منع البنت من هذا العمل كحاجته إليها في معونة وخدمة، أو خوفه على عرضها ونحو ذلك فطاعتها إياه لازمة، وإن لم يكن له غرض صحيح فلا يجب عليها طاعته، وإن كان الأسلم لها طاعته فيه، وقد ذكر العلماء لوجوب طاعة الوالدين ضوابط، حاصلها ثلاثة:
الأول: أن يكون في غير معصية لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وغيره وصححه السيوطي.
الثاني: أن يكون لهما غرض صحيح من الأمر بترك المندوب والمباح أو الأمر بمقارفة المكروه.
الثالث: أن لا يكون في ذلك ضرر على الولد فيما أمراه به، وقد نص على هذا طائفة من أهل العلم.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: .. .. وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه، أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له، أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك، وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل، لأني أقيد حد بعض المتأخرين للعقوق بأن يفعل مع والده ما يتأذى به إيذاء ليس بالهين، بما إذا كان قد يعذر عرفا بتأذيه به، أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق وحدة حمق وقلة عقل فلا أثر لذلك التأذي، وإلا لوجب طلاق زوجته لو أمره به، ولم يقولوا به. فإن قلت لو ناداه وهو في الصلاة، اختلفوا في وجوب إجابته، والأصح وجوبها في نفل إن تأذى التأذي المذكور. وقضية هذا أنه حيث وجد ذلك التأذي ولو من طلبه للعلم أو زهده أو غير ذلك من القرب لزمه إجابته؟ قلت: هذه القضية مقيدة بما ذكرته أن شرط ذلك التأذي أن لا يصدر عن مجرد الحمق ونحوه كما تقرر، ولقد شاهدت من بعض الآباء مع أبنائهم أمورا في غاية الحمق التي أوجبت لكل من سمعها أن يعذر الولد ويخطئ الوالد فلا يستبعد ذلك. وبهذا يعلم أنه لا يلزم الولد امتثال أمر والده بالتزام مذهبه لأن ذاك حيث لا غرض فيه صحيح مجرد حمق، ومع ذلك كله فليحترز الولد من مخالفة والده فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا بل عليه التحري التام في ذلك... فتأمل ذلك فإنه مهم. اهـ.
وقال الجصاص في أحكام القرآن: وليس لأبويه منعه من التصرف في المباحات التي ليس فيها تعرض للقتل. انتهى منه بتصرف.
والله أعلم.