السؤال
هل يجوز القول بأن بنت أبي بكر الصديق عائشة رضي الله عنهما أمه وبنته ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عائشة رضي الله عنها هي ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي أم المؤمنين ومنهم أبو بكر . لكن هذه الأمومة ليست أمومة نسب حتى يتعارض ذلك مع كونها ابنته، بل هي أمومة احترام وتوقير وتعظيم. قال الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم {الأحزاب:6}.
قال الشوكاني في فتح القدير: وأزواجه أمهاتهم أي: مثل أمهاتهم في الحكم بالتحريم، ومنزلات منزلتهن في استحقاق التعظيم، فلا يحل لأحد أن يتزوج بواحدة منهن، كما لا يحل له أن يتزوج بأمه، فهذه الأمومة مختصة بتحريم النكاح لهن، وبالتعظيم لجنابهن، وتخصيص المؤمنين يدل على أنهن لسن أمهات نساء المؤمنين، ولا بناتهن أخوات المؤمنين، ولا إخوتهن أخوال المؤمنين. وقال القرطبي: الذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء كما يدل عليه قوله: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة. قال: ثم إن في مصحف أبي بن كعب: وأزواجه أمهاتهم، وهو أب لهم وقرأ ابن عباس: أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب وأزواجه أمهاتهم. انتهى.
وفي التحرير والتنوير للمؤلف محمد الطاهر بن عاشور عند تفسير الآية الكريمة: فأما قوله تعالى: وأزواجه أمهاتهم [الأحزاب: 6] فهو على معنى التشبيه في أحكام البرور وحرمة التزويج. انتهى.
وفي أضواء البيان للشنقيطي: وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم، كحرمة الأم، واحترامهم لهن كاحترام الأم. . . إلخ واضح لا إشكال فيه. ويدل له قوله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [33 53] ; لأن الإنسان لا يسأل أمه الحقيقية من وراء حجاب. وقوله تعالى: إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم [58 2]، ومعلوم أنهن رضي الله عنهن، لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم، ويفهم من قوله تعالى: وأزواجه أمهاتهم، أنه هو - صلى الله عليه وسلم - أب لهم. وقد روي عن أبي بن كعب، وابن عباس، أنهما قرأا: (وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم)، وهذه الأبوة أبوة دينية، وهو - صلى الله عليه وسلم - أرأف بأمته من الوالد الشفيق بأولاده، وقد قال جل وعلا في رأفته ورحمته بهم: عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم [9 128] [33 40]، وليست الأبوة أبوة نسب; كما بينه تعالى بقوله: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ويدل لذلك أيضا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه ، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة، فقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ، يبين معنى أبوته المذكورة، كما لا يخفى. انتهى.
والله أعلم.