حكم الانتقال من مذهب لآخر بعد العمل بالأول

0 710

السؤال

التردد بين اجتهادين أحدهم راجح ـ شرط الطهارة أثناء الطواف ـ والآخر مرجوح ـ وجوب الطهارة ـ إذا كانت المسألة من الأمور التي يصعب تداركها حيث اندرج بعد الطواف من غير طهارة زواج وحج، فأفتاني القاضي في مكالمة هاتفية أن آخذ بالرأي المرجوح، لأن الأمر حصل قديما وحصلت بعدها أمور يصعب تداركها، لكنني وقعت في حيرة ووساوس، فمرة أعمل بالرأي المرجوح ـ إخراج الدم لجبر النقص ـ وتارة أعمل بالراجح ـ صيام عن فعل المحظورات ـ لكن سرعان ما اكتشفت أنني لا أستطيع إكمال الصيام، فأنا بحكم الجمهور مازلت على إحرامي ومازلت أفعل المحظورات، فأوقفت الصيام وبدأت أستخير الله ليوفقني لاختيار الاجتهاد الأنسب لوضعي، قرأت أن من قلد مجتهدا لا يجوز له العدول فلا أعلم هل صيامي لبعض أيام المحظورات يعتبر تقليدا لرأي الجمهور، ولا أتذكر هل أخرجت بعض الدم من قبل تقليدا لأبي حنيفه أم الصيام تقليدا للجمهور، أفتوني جزاكم الله خيرا، أود الأخذ برأي أبي حنيفه وإمضاء هذا الأمر، لكن خوفي دفعني للسؤال خوفا من أن أكون قلدت الجمهور ولا يمكنني التراجع.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فقد اختلف العلماء هل يلزم العامي تقليد مذهب معين أو له أن يقلد من شاء؟ ثم إذا أخذ بمذهب معين فهل له أن ينتقل عنه إلى غيره أو ليس له ذلك؟ قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في إرشاد الفحول ما مختصره: اختلف المجوزون للتقليد، هل يجب على العامي التزام مذهب معين في كل واقعة؟ فقال جماعة منهم: يلزمه، ورجحه إلكيا، وقال آخرون: لا يلزمه، ورجحه ابن برهان والنووي، واستدلوا بأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم في بعض المسائل، وبعضهم في البعض الآخر، وذكر بعض الحنابلة أن هذا مذهب أحمد بن حنبل، فإنه قال لبعض أصحابه: لا تحمل الناس على مذهبك فيحرجوا، دعهم يترخصوا بمذاهب الناس، وسئل عن مسألة من الطلاق فقال: يقع يقع، فقال له السائل: فإن أفتاني أحد أنه لا يقع يجوز؟ قال: نعم، وقال: وقد كان السلف يقلدون من شاءوا قبل ظهور المذاهب، أما إذا التزم العامي مذهبا معينا فلهم في ذلك خلاف آخر، وهو أنه هل يجوز له أن يخالف إمامه في بعض المسائل، ويأخذ بقول غيره؟ فقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز وقيل: إن كان قد عمل بالمسألة لم يجز له الانتقال، وإلا جاز.... وقيل: يجوز بشرط أن ينشرح له صدره، وأن لا يكون قاصدا للتلاعب، وأن لا يكون ناقضا لما قد حكم عليه به، واختاره ابن دقيق العيد. انتهى.

ولعل الراجح ـ إن شاء الله ـ أنه لا يجب التزام مذهب معين وأنه يجوز للمقلد الانتقال من مذهب لآخر ما لم يقصد التلاعب ويكون تتبع الرخص ديدنا له، قال القرافي رحمه الله: قال الزناتي: يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقال من مذهب إلى مذهب بثلاثة شروط: ألا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد، وأن يعتقد فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه، ولا يقلده رميا في عماية، وألا يتتبع رخص المذاهب. انتهى.

والأخذ ببعض الرخص للحاجة مما سوغه كثير من العلماء، ولتنظر الفتوى: 134759.

فإذا علمت هذه المقدمة وتبين لك أن انتقالك من مذهب الجمهور إلى غيره في هذه المسألة أو غيرها جائز بالضابط المذكور فاعلمي أن في حكم الطهارة للطواف ثلاثة أقوال لأهل العلم أولها: اشتراط الطهارة له كما تشترط للصلاة وهو قول الجمهور ومن طاف غير متطهر لم يصح طوافه على هذا المذهب، والواجب عليه أن يرجع إلى مكة فيطوف ويسعى، وأما محظورات الإحرام فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يلزمه تجاهها شيء إذا كان جاهلا، وإن كان الأحوط أن يفدي عن كل ما كان من قبيل الإتلاف كقص الشعر وتقليم الأظفار، وهذه الفدية هو مخير فيها بين إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وصيام ثلاثة أيام وذبح شاة، وإن عجز عن الذهاب إلى مكة تحلل تحلل المحصر، ولتنظر الفتوى: 140656.  

والقول الثاني: أنها واجبة لا شرط يجبر تركها بدم إذا خرج الحاج أو المعتمر من مكة، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد، كما في الفتوى: 30070.

والقول الثالث أنها سنة فقط، وطواف من طاف محدثا صحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وترجيح العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ كما سبق بيانه في الفتوى: 130261.  

وهذا القول والذي قبله وإن كانا مرجوحين عندنا، لكن الفتوى بالقول المرجوح بعد وقوع الأمر وتعذر التدارك مما سوغه كثير من أهل العلم، كما في الفتوى: 125010.

وعليه، فلا حرج على السائلة في أن تأخذ بما أفتاها به القاضي المذكور، وإذا استندت إلى هذا القول  فلا داعي للوسواس بعد ذلك، لأن للعامي أن يقلد من شاء من أهل العلم على ما مر في كلام الشوكاني، وكما سبق بيانه في الفتوى: 169143.

وله كذلك الانتقال من مذهب قلده إلى آخر ولو بعد العمل بالأول كما هو قول بعض الأصوليين على ما مر، وإن أرادت السائلة أن تعمل بالقول الذي شرعت في العمل به كان هذا أحسن، لما فيه من الخروج من خلاف من منع الانتقال إلى مذهب آخر في هذه الصورة.

على أننا ننبه إلى عدم اتضاح بعض جزئيات السؤال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى