السؤال
ما حكم اقتحام السفارات للدول الكافرة ردا على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل يجوز قتل السفير ردا على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم؟.
ما حكم اقتحام السفارات للدول الكافرة ردا على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل يجوز قتل السفير ردا على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اقتحام السفارات الأجنبية وإلحاق الأذى بموظفيها لا يباح لمجرد أن من رعايا بلادهم من أساء في حق النبي صلى الله عليه وسلم، أو في حق الإسلام والمسلمين، والأصل في هولاء السفراء والموظفين أنهم معاهدون أو مستأمنون، وفي كلا الحالين لا يجوز الاعتداء عليهم، قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة: المستأمن هو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا ينافروا ولا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه فإذا وصل مأمنه عاد حربيا كما كان. اهـ.
وجدير بالذكر أن الأمان الذي يدخل به كافر ديار الإسلام تجب مراعاته والعمل بمقتضاه ولو كان في انعقاده شبهة، قال المرداوي في الإنصاف: قوله: ومن قال لكافر: قف، أو ألق سلاحك، فقد أمنه، وكذا قوله: قم، وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقال المصنف: يحتمل أن لا يكون أمانا، إلا أن يريد به ذلك، فهو على هذا كناية، لكن إن اعتقده الكافر أمانا: رد إلى مأمنه وجوبا، ولم يجز قتله، وكذا حكم نظائره، قال الإمام أحمد: إذا أشير إليه بشيء غير الأمان، فظنه أمانا فهو أمان، وكل شيء يرى العلج أنه أمان: فهو أمان، وقال: إذا اشتراه ليقتله، فلا يقتله، لأنه إذا اشتراه فقد أمنه، قال الشيخ تقي الدين: فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده العلج، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه. اهـ.
وقال ابن القيم: من أظهر لكافر أمانا لم يجز قتله بعد ذلك لأجل الكفر، بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمنه صار مستأمنا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من آمن رجلا على دمه وماله ثم قتله فأنا منه بريء، وإن كان المقتول كافرا رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا آمنك الرجل على دمه فلا تقتله، رواه ابن ماجه، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان قيد الفتك، لا يقتل مؤمن، رواه أهل السنن. اهـ.
وقد سئل الشيخ ابن باز عن حكم الاعتداء على الأجانب السياح والزوار في البلاد الإسلامية، فأجاب: هذا لا يجوز، الاعتداء لا يجوز على أي أحد، سواء كانوا سياحا أو عمالا، لأنهم مستأمنون، دخلوا بالأمان، فلا يجوز الاعتداء عليهم، ولكن تناصح الدولة حتى تمنعهم مما لا ينبغي إظهاره، أما الاعتداء عليهم فلا يجوز، أما أفراد الناس فليس لهم أن يقتلوهم أو يضربوهم أو يؤذوهم، بل عليهم أن يرفعوا الأمر إلى ولاة الأمور، لأن التعدي عليهم تعد على أناس قد دخلوا بالأمان فلا يجوز التعدي عليهم، ولكن يرفع أمرهم إلى من يستطيع منع دخولهم أو منعهم من ذلك المنكر الظاهر، أما نصيحتهم ودعوتهم إلى الإسلام أو إلى ترك المنكر إن كانوا مسلمين فهذا مطلوب، وتعمه الأدلة الشرعية، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 170771، لمعرفة ما يشرع وما يمنع من قتل غير المسلمين.
وهذا لا يعني أن يسكت المسلم على إساءة من أساء لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، بل يجب على كل مسلم أن يعمل ـ وفق الضوابط الشرعية ـ ما يقدر عليه في منع ورد مثل هذه الإساءات، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 71536، 71469، 71673.
وأما أن نؤاخذ أحدا بجريمة غيره فليس هذا من العدل الذي أمرت به الشريعة وتواترت به نصوص الوحي، كما في قول الله تبارك وتعالى: ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى {الأنعام: 164}.
والله أعلم.