السؤال
غضب رجل مرة من امرأة كانت تلح عليه بخطبة ابنته لابنها وكانت تقول له متى نقرأ الفاتحة فقال لها مرة غاضبا لا فاتحة ولا غامقة فضحك من معه لغضبته تلك.. هل تعتبر هذه ردة علما بأن الموقف لم يستهدف الاستهزاء بالسورة والعياذ بالله ولكن من الموقف نفسه... فما الحكم؟؟ وهل يجب على التائب أن يقوم بأداء بعض العبادات التي كانت عليه قضاء في السابق؟؟ جزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول الله تعالى:ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه الحج:30]. ويقول تعالى:ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [الحج:32].
فالمسلم دائما ينبغي له أن يكون معظما لدينه ولكل ما له به صلة، وخاصة لكتاب الله الذي هو عمدة الملة وينبوع الحكمة وآية الرسالة وكلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم وقافين عند كتاب الله تعالى، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن الفزاري المدينة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه في مجلسه فقال له: يا ابن أخي إن لك يدا عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فأذن له، فلما دخل قال لعمر: هي يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يبطش به، فقال له الحر بن قيس يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول:خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [الأعراف: 199]. وإن هذا من الجاهلين، فما جاوزها عمر حين تلاها الحر، وكان عمر وقافا عند كتاب الله.
هكذا كان السلف عندما يذكر شيء يتعلق بكتاب الله تعالى أو بدينه.
ويذكر المؤرخون أن هارون الرشيد خرج يوما في أبهة ملكه فاستقبله رجل من الرعية من أهل الذمة وقال له: اتق الله، فنزل عن جواده وسجد تواضعا لله تعالى، فقيل له في ذلك فقال: أعوذ بالله من أن نكون ممن إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم.
وما قاله هذا الرجل وإن كان ليس بردة -إلا أنه يوحي بالغفلة وعدم الانتباه والاهتمام والتعظيم لحرمات الله تعالى.
وما دام قد صدر منه هذا الجواب لتلك المرأة الذي يقارن فيه فاتحة الكتاب بالغامقة فإن عليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفر ويعمل ما استطاع من أعمال البر والخير، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
هذا فيما يخص التائب وهل عليه أن يقضي العبادات التي كانت عليه؟ نعم، يجب على التائب أن يقضي ما عليه من حقوق لله تعالى ولعباده، فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة من جهينة قالت: يا رسول الله: إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ قال: نعم أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فالله أحق بالقضاء.
وعلى هذا فإنه يلزم التائب والمفرط أن يقضيا ما عليهما من ديون لله تعالى ولعباده.
والله أعلم.