السؤال
بارك الله فيكم: في زمن سابق اعتقدت بأن شيئا مكفرا حلال ودخل علي رمضان وأنا أعتقد هذا وقمت بصيام رمضان وأصلي جميع الصلوات وانتهى الشهر ومرت الشهور وأنا أعتقد هذا، والآن لا أعلم هل يجب علي قضاء ذلك؟ فأخبروني بالإجابة سريعا كي أرى هل يجب أن أقضي ما فاتني أم لا؟ مع العلم بأن ذلك حصل قبل بضعة أعوام، وإن كنت لأعوام عديدة أعتقد هذه المقولة: اختلاف العلماء رحمة ويجوز الأخذ برأي أي عالم منهم ـ فما هو الحكم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فاعلمي أنه لا يحكم بكفر المسلم بمجرد فعله أو اعتقاده لأمر يكفر من اعتقده أو فعله، لأنه قد يكون جاهلا بالحكم، أو تكون له شبهة تمنع من تكفيره، أو يكون الحكم لم يظهر بين المسلمين ونحو ذلك، فهذا لا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة وتزول عنه الشبهة، فإن أصر بعد ذلك حكم بكفره, ومن المستحسن أن ننقل كلاما جامعا في هذا الموضوع لابن قدامة في المغني، حيث قال رحمه الله تعالى: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه، كلحم الخنزير، والزنى، وأشباه هذا، مما لا خلاف فيه، كفر، لما ذكرنا في تارك الصلاة, وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى، وكذلك لم يحكم بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك، ولا يكفر المادح له على هذا المتمني مثل فعله، فإن عمران بن حطان قال فيه يمدحه لقتل علي: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ عند الله رضوانا، إني لأذكره يوما فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا. وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة، ومن بعدهم واستحلال دمائهم وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم، لتأويلهم, وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا, وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد ولم يكفره, وكذلك أبو جندل بن سهيل وجماعة معه شربوا الخمر بالشام مستحلين لها، مستدلين بقول الله تعالى: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ـ الآية, فلم يكفروا وعرفوا تحريمها، فتابوا وأقيم عليهم الحد, فيخرج فيمن كان مثلهم مثل حكمهم, وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله، لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحله بعد ذلك, وقد قال أحمد: من قال: الخمر حلال, فهو كافر يستتاب فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه، لما ذكرنا, فأما إن أكل لحم خنزير، أو ميتة، أو شرب خمرا لم يحكم بردته بمجرد ذلك، سواء فعله في دار الحرب أو دار الإسلام، لأنه يجوز أن يكون فعله معتقدا تحريمه، كما يفعل غير ذلك من المحرمات. اهــ.
فإذا علمت هذا فإنه لا يلزمك قضاء رمضان إذا اعتقدت أمرا مكفرا جاهلة أو متأولة أو لشبهة ونحوها, وأما إذا اعتقدت ذلك مع قيام الحجة عليك فإنه يجري فيك خلاف الفقهاء في المرتد هل يلزمه قضاء ما فاته من الصيام والعبادات، وقد سبق أن ذكرنا أقوالهم في الفتوى رقم: 127299.
وأما مقولة اختلاف العلماء رحمة فقد بينا المعنى الصواب منها في الفتويين رقم: 40173، ورقم: 123114.
وكذا القول بجواز الأخذ برأي أي واحد منهم ليس على إطلاقه، بل الواجب في الأصل اتباع القول الموافق للدليل، فإن اختلفت عليه أقوال الفقهاء ولم يدر أيها أصح عمل بنوع من الترجيح، وانظري لذلك الفتوى رقم: 120640.
والله أعلم.