السؤال
سمعت من أحد أصدقائي أنه إذا قدم الفقير للغني هدية ويقصد بذلك المساعدة من الغني وجب عليه إجابة الفقير، فهل هذا صحيح؟ وهل هناك دليل من القرآن أو السنة؟ وما هي الحالات التي يجب فيها على الغني أو أي شخص إجابة مسألتهم أو رد الهديا؟.
سمعت من أحد أصدقائي أنه إذا قدم الفقير للغني هدية ويقصد بذلك المساعدة من الغني وجب عليه إجابة الفقير، فهل هذا صحيح؟ وهل هناك دليل من القرآن أو السنة؟ وما هي الحالات التي يجب فيها على الغني أو أي شخص إجابة مسألتهم أو رد الهديا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة هي المعروفة بهبة الثواب، وهي أن يهب شخص لآخر هبة يرجو عوضها منه، فإن اشترط العوض في عقد الهبة كان ذلك لازما، ويكون لها أحكام البيع عند كثير من العلماء، وإن وهب هبة مطلقة عن الشرط ولكن كان يقصد الثواب فعند الشافعية لا ثواب إن وهب الشخص لمن هو دونه، وكذا الأعلى منه في الأظهر ولنظيره على المذهب، وعند المالكية يصدق الواهب في قصده ما لم يشهد العرف بضده، وعند الحنفية والحنابلة لا تقتضي ثوابا ـ أي عوضا ـ والعوض في الهبة المطلقة عند من يقول به هو قيمة الموهوب أو ما يعتبر ثوابا لمثله عادة، كذا في الموسوعة الفقهية، ولا يتقيد هذا بكون الواهب فقيرا والموهوب له غنيا، بل كل من وهب هبة يريد ثوابها فالحكم هو ما مر، ويستدل على جواز الهبة بقصد الثواب بقوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله{الروم:39}.
قال القرطبي: قال عكرمة في قوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس ـ قال: الربا ربوان، ربا حلال وربا حرام فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى، يلتمس ما هو أفضل منه، وعن الضحاك في هذه الآية: هو الربا الحلال الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه، لا له ولا عليه، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم، وكذلك قال ابن عباس: وما آتيتم من ربا ـ يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه، وفي هذا المعنى نزلت الآية، قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد: هذه آية نزلت في هبة الثواب. انتهى.
ويستدل لذلك أيضا بحديث: من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب عليها. صححه الحاكم.
قال الحافظ: والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر قوله وقد يكون الغالب في هبة الفقير للغني أنها بقصد الثواب، ومن ثم فيلزمه إما أن يرد عليه هبته أو يثيبه منها ما يرضيه، كما دلت على ذلك آثار السلف، قال القرطبي: قال المهلب: اختلف العلماء في من وهب هبة يطلب ثوابها وقال: إنما أردت الثواب، فقال مالك: ينظر فيه، فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك، مثل هبة الفقير للغني، وهبة الخادم لصاحبه، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه، وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إذا لم يشترط، وهو قول الشافعي الآخر... ودليلنا ما رواه مالك في موطئه عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى منها ـ ونحوه عن علي رضي الله عنه قال: المواهب ثلاثة: موهبة يراد بها وجه الله، وموهبة يراد بها وجوه الناس، وموهبة يراد بها الثواب فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب منها، وترجم البخاري ـ رحمه الله: باب المكافأة في الهبة ـ وساق حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، وأثاب على لقحة ولم ينكر على صاحبها حين طلب الثواب، وإنما أنكر سخطه للثواب وكان زائدا على القيمة. خرجه الترمذي. انتهى.
وبه يتبين لك أن الفقير إذا وهب للغني هبة يريد ثوابها إما بشرط أو عرف فالواجب على الغني أن يثيبه من هبته أو يردها عليه.
والله أعلم.