السؤال
سماحة الشيخ وفقك الله، السؤال: في فتاوى الخمر والمخدرات لابن تيميه يقول التالي: وإذا طبخ العصير حتى يذهب ثلثه أو نصفه وهو يسكر فهو حرام عند الأئمه الأربعة، بل هو خمر عند مالك والشافعي وأحمد، وأما إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فهذا لا يسكر في العادة إلا إذا انضم إليه ما يقويه أو لسبب آخر، فمتى أسكر فهو حرام بإجماع المسلمين، وهو الطلاء الذي أباحه عمر بن الخطاب للمسلمين، فالآن ما هو الطلاء لو عرفناه الذي أباحه عمر بن الخطاب للمسلمين؟ أرجو توضيح كلام ابن تيمية.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاء المقصود هنا هو الذي قال عنه ابن منظور في لسان العرب، هو: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، وتسميه العجم الميبختج، وبعض العرب يسمي الخمر الطلاء، يريد بذلك تحسين اسمها إلا أنها الطلاء بعينها... اهـ.
وأما كلام ابن تيمية في هذا الموضوع فواضح، وننقله لك بنصه من الفتاوى الكبرى، فبعد ما ذكر حديث: والخمر ما خامر العقل، وحديث: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهما حديثان صحيحان ـ كما هو معلوم ـ قال رحمه الله: فذهب أهل الحجاز واليمن ومصر والشام، والبصرة، وفقهاء الحديث: كمالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم: أن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهو خمر عندهم من أي مادة كانت: من الحبوب والثمار، وغيرها، سواء كان من العنب، أو التمر أو الحنطة، أو الشعير، أو لبن الخيل، أو غير ذلك، وسواء كان نيا أو مطبوخا، وسواء ذهب ثلثاه، أو ثلثه، أو نصفه، أو غير ذلك، فمتى كان كثيره مسكرا حرم قليله بلا نزاع بينهم، ومع هذا فهم يقولون بما ثبت عن عمر، فإن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما قدم الشام وأراد أن يطبخ للمسلمين شرابا لا يسكر كثيره طبخ العصير حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وصار مثل الرب، فأدخل فيه أصبعه فوجده غليظا، فقال: كأنه الطلا، يعني الطلا الذي يطلى به الإبل، فسموا ذلك الطلا، فهذا الذي أباحه عمر لم يكن يسكر، وذكر ذلك أبو بكر عبد العزيز بن جعفر صاحب الخلال: أنه مباح بإجماع المسلمين، وهذا بناء على أنه لا يسكر، ولم يقل أحد من الأئمة المذكورين: إنه يباح مع كونه مسكرا.
ومعنى هذا الكلام: أن كل مسكر حرام، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وأن ما لا يسكر كثيره لا حرج فيه، وقد مثل لما يجوز تناوله بما فعله عمر ـ رضي الله عنه ـ عندما قدم الشام فصنع للمسلمين شرابا لا يسكر كثيره، وقد شبهه عمر بالطلاء الذي تطلى به الإبل لكثافته، فهذا الذي صنعه عمر وأباحه لا يسكر كثيره وأحرى قليله، وإن سمى بعضهم الخمر باسم الطلاء، فإن هذا من تسمية الأشياء بغير اسمها، ولكن العبرة بالمسميات والمضامين لا بالأسماء والعناوين، وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين التالية أرقامهما: 161877، 128537.
والله أعلم.