السؤال
شاب مسيحي يريد أن يسلم ولكنه خائف من إشهار دينه لوالديه, فهل يجوز له بعد أن يسلم أن يدخل الكنيسة ويمارس العبادات المسيحية أمام والديه تمويها فقط مع إنكاره لهذه الطقوس في قلبه حتى لا يشك والداه بأمر إسلامه، لأنهما متعصبان جدا للمسيحية ويخشى من حصول الضرر وقطيعة الرحم إذا أشهر دينه الآن، فهل يجوز ادعاء ممارسة العبادات المسيحية للتمويه فقط حتى يأتي الفرج من الله؟ علما أن هذا الشاب قد يتعرض للطرد من المنزل إذا عرف والداه بأمر إسلامه وهو لا يملك مسكنا آخر وهما يجبرانه على مرافقتهما إلى الكنيسة, فما حكم ذلك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يتظاهر بالكفر إلا عند الضرورة القصوى، كما قال الله تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم {النحل:106}. وليس ما ذكرت من الأشياء ضرورة تبيح لهذا الشاب أن يتظاهر بالكفر.
وأما أنه قد تقع قطيعة للرحم، فإن الشرع لا يلتفت لهذا في مقابل الإيمان وقد قاتل الصحابة قرابتهم لله، وما يظن من وقوع الضرر كالطرد من البيت فإن الله سيجعل له منه فرجا ومخرجا: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا {الطلاق: 2ـ 3} ، لكن لا يجب عليه أن يعلن إسلامه على الملأ ما دام سيتعرض لأذية من أهله أو غيرهم، ويكفي إسلامه سرا، قال الله تعالى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه {غافر:28}. فهذا الرجل مؤمن بنص القرآن مع أنه كان يخفي إيمانه عن فرعون وقومه خوفا على نفسه، وفي قصة إسلام أبي ذر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر ـ أمر إسلامه. رواه البخاري.
وفيه دليل على جواز كتم الإيمان لمصلحة أو خشية ضرر ونحو ذلك، وانظر فتوانا رقم: 32823.
وعليه أن يحاول التملص من الذهاب للكنيسة بكل وسيلة ولا يستسلم لضغوطات الأهل، وليكن له في سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أسوة، ففي صحيح مسلم عن مصعب بن سعد قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك بي، وفيها: وصاحبهما في الدنيا معروفا. فليستمسك بدينه وليصبر عليه ولا يعق والديه وليطعهما في غير معصية الله.
وللفائدة فمجرد دخول الكنائس لا مانع منه، قال ابن قدامة في المغني: وروى ابن عائذ في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر ـ رضي الله عنه ـ حين قدم الشام طعاما فدعوه فقال أين؟ قالوا في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امض بالناس فليتغدوا، فذهب علي ـ رضي الله عنه ـ بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون، وجعل علي ينظر إلى الصور، وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل، وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور، ولأن دخول الكنائس والبيع غير محرم. انتهى. وانظر فتوانا رقم: 37512.
والله أعلم.